ينتظر، واللام في ﴿لِيَقْضِ﴾ لام الطلب والرغبة؛ أي: ليقض ﴿عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ بالموت حتى لا يتكرر عذابنا؛ أي: ليمتنا حتى نستريح من ألم العذاب، من قضى عليه إذا أماته، كقوله تعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾؛ أي: أماته، توسلوا بمالك إلى الله سبحانه وتعالى، ليسأله لهم أن يقضي عليهم بالموت، فيستريحوا من العذاب.
والمعنى (١): سل ربك يا مالك، أن يقضي علينا، وهذا لا ينافي ما ذكر من إبلاسهم أولًا كما مر؛ لأنه جؤار؛ أي: صياح وتمن للموت، لفرط الشدة ﴿قَالَ﴾ مالك مجيبًا لهم بعد أربعين سنة، يعني: ينادون مالكًا أربعين سنة، فيجيبهم بعدها، كما قاله عبد الله بن عمرو، أو بعد مئة سنة، كما قاله نوف، أو بعد ألف سنة، كما قاله ابن عباس، وميل: بعد ثمانين سنة؛ لأن تراخي الجواب أحزن لهم ﴿إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ المكث ثبات مع انتظار؛ أي: إنكم مقيمون في العذاب أبدًا، لا خلاص لكم منه بموت ولا بغيره، فليس بعدها إلا جؤار كصياح الحمير، أوله زفير وآخره شهيق.
والمعنى (٢): أي ونادى المجرمون من شدة العذاب، فقالوا: يا مالك، ادع لنا ربك أن يقبض أرواحنا ليريحنا مما نحن فيه، فأجابهم بقوله: ﴿إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ لا خروج لكم منها، ولا محيص لكم عنها. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾، وقوله: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (١٣)﴾.
٧٨ - ثم خاطبهم خطاب تقريع وتوبيخ، وبين سبب مكثهم فيها بقوله: ﴿لَقَدْ جِئْنَاكُمْ﴾ أيها المجرمون في الدنيا ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بإرسال، وإنزال الكتب. وهو خطاب توبيخ من جهة؛ الله تعالى مقرر لجواب مالك، ومبين لسبب مكثهم، ويحتمل (٣) أن يكون من كلام مالك، والأول أولى.
(٢) المراغي
(٣) الشوكاني.