له، وقد ذكر بعض أهل العلم في انتصاب ﴿أَمْرٍ﴾ اثني عشر وجهًا، أظهرها ما ذكرناه. وقرأ زيد بن علي ﴿أمر﴾ بالرفع؛ أي: هو أمر.
ولما ذكر إنزال القرآن، ذكر المرسل، فقال ﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ هذه الجملة إما بدل من قوله: ﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ بدل الكل، أو جواب ثالث للقسم، أو مستأنفة، قال الرازي: المعنى إنا فعلنا ذلك الإنذار لأجل أنا كنا مرسلين للأنبياء.
٦ - وقوله: ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ مفعول لأجله للإرسال.
والمعنى (١): إنا أنزلنا القرآن؛ لأن عادتنا إرسال الرسل بالكتب إلى العباد، لأجل إفاضة رحمتنا عليهم، فيكون قوله: ﴿رَحْمَةً﴾ غايةً للإرسال، متأخرةً عنه على أن المراد منها: الرحمة الواصلة إلى العباد، أو لاقتضاء رحمتنا السابقة إرسالهم، فيكون باعثًا متقدمًا للإرسال، على أن المراد: مبدؤها، ووضع الرب موضع الضمير، للإيذان بأن ذلك من أحكام الربوبية ومقتضياتها، وإضافته إلى ضميره - ﷺ - للتشريف، وقرأ الحسن وزيد بن علي ﴿رحمة﴾ بالرفع على تقدير: هي رحمة؛ أي: تلك رحمة من ربك التفاتًا من مضمر إلى ظاهر، إذ لو روعي ما قبله، لكان التركيب رحمةً منا، لكنه وضع الظاهر موضع المضمر، إيذانًا بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين، كما مر آنفًا.
والمعنى (٢): أي في هذه الليلة بدأ سبحانه، يبين ما ينفع عباده، من أمور محكمة لا تغيير فيها ولا تبديل، بإنزاله ذلك التشريع الكامل، الذي فيه صلاح البشر، وهدايتهم، وسعادتهم في دنياهم وآخرتهم، ولا غرو، فهي من لدن حكيم عليم بما يصلح شؤون عباده في معاشهم ومعادهم.
ثم بين السر في نزول القرآن على لسان رسوله، فقال: ﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ إلخ؛ أي: إنا (٣) أرسلنا الرسول به، رحمة منا لعبادنا، حتى يستبين لهم ما يضرهم وما ينفعهم، وحتى لا يكون لهم حجة بعد إرسال الرسول به.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.