إلى ربها انتظارًا لمثوبته ورجاءًا في غفرانه ورحمته.
١٣ - ثم نفى صدقهم في الوعد، وبين أن غرضهم كشف العذاب فحسب، فقال: ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى﴾؛ أي: من أين يحصل لهم التذكر والاتعاظ، فهو بعيد عنهم غير ممكن منهم، فهو رد (١) لكلامهم، واستدعائهم الكشف، وتكذيب لهم في الوعد بالإيمان، المنبىء عن التذكر والاتعاظ بما اعتراهم من الداهية، والمراد بالاستفهام: الاستبعاد، لا حقيقته، وهو ظاهر؛ أي: كيف يتذكرون، أو من أين يتذكرون؟ ويفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب عنهم ﴿وَ﴾ الحال أنه ﴿وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ﴾ يبين لهم كلَّ شيء يحتاجون إلى بيانه، من أمر الدين، والدنيا؛ أي: والحال أنهم شاهدوا من دواعي التذكر، وموجبات الاتعاظ، ما هو أعظم منه في إيجابهما، حيث جاءهم رسول عظيم الشأن، وبين لهم مناهج الحق بإظهار آيات ظاهرة، ومعجزات قاهرة، تحرك صم الجبال
١٤ - ﴿ثُمَّ﴾ كلمة ﴿ثم﴾ هنا للاستبعاد ﴿تَوَلَّوْا﴾؛ أي: أعرضوا ﴿عَنْهُ﴾؛ أي: عن ذلك الرسول فيما شاهدوا منه من العظائم، الموجبة للإقبال إليه، ولم يكتفوا بمجرد الإعراض عنه، بل جاوزوه ﴿وَقَالُوا﴾ تارةً هذا الرجل ﴿مُعَلَّمٌ﴾ يعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف، واسمه عداس أو أبو فكهة، أو جبر أو يسار. وقرأ زر بن حبيش ﴿معلم﴾ بكسر اللام، قاله في "البحر" وتارة أخرى ﴿مَجْنُونٌ﴾؛ أي: مغلوب العقل ناقصه، أو يقول بعضهم: كذا، وآخرون: كذا، فهل يتوقع من قوم هذه صفاتهم، أن يتأثروا منه بالعظة والتذكير، وما مثلهم إلا كمثل الكلب إذا جاع ضغا، دواذا شبع طغا.
١٥ - وقوله: ﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ﴾ جواب من جهته تعالى عن قولهم: ربنا اكشف عنا العذاب؛ أي: إنا نكشف العذاب المعهود عنكم، بدعاء النبي - ﷺ -، وإنزل المطر كشفًا ﴿قَلِيلًا﴾ وهو دليل على كمال خبث سريرتهم، فإنهم إذا عادوا إلى الكفر بكشف العذاب كشفًا قليلًا، فهم بالكشف رأسًا أعود، أو زمانًا قليلًا، وهو ما بقي من أعمارهم ﴿إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾؛ أي: تعودون إثر ذلك إلى ما كنتم عليه من العتو والإصرار على الكفر، وتنسون هذه الحالة، وصيغة (٢) الفاعل في الموضعين
(٢) روح البيان.