للدلالة على تحققهما لا محالة، ولقد وقع كلاهما، حيث كشفه الله سبحانه، بدعاء النبي - ﷺ -، فما لبثوا أن عادوا إلى ما كانوا فيه من العتو والعناد؛ لأن من مقتضى فساد طينتم واعوجاج طبيعتهم، المبادرة إلى خلف الوعد ونقض العهد، والعود إلى الإشراك إذا زال المانع على ما بينه الله تعالى، فيمن ركب الفلك إذا أنجاه إلى البر، والمراد بعودهم إليه: عودهم إلى العزم على الاستمرار عليه؛ لأنه لم يوجد منهم إيمان بالفعل، إنما وجد منم الوعد به، إذا انكشف عنهم العذاب.
ومعنى الآيات (١): أي كيف يتذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوا به من الإيمان حين يكشف عنهم العذاب، وقد جاءهم الرسول بما هو كاف في رجوعهم إلى الحق، فلم يرجعوا بل قال بعضهم: إن القرآن إنما يعلمه له غلام رومي لبعض ثقيف. وقال آخرون: إنه أصيب بخبل، إذ تلقي إليه الجن هذه الكلمات، حين يعرض له الغشي.
والخلاصة: أن التوبة إما أن تكون بما ينال الناس من النوائب، وإما أن تكون بما يتضح لهم من الحقائق، وهؤلاء قد اتضحت لم وجوه الصواب فلم يفقهوا، فأخذناهم بالعذاب، ولكن كيف يرجعون به وقد ذكرناهم بالآيات، وأريناهم الحقائق، وهو أنجع أثرًا من العقاب فلم يؤمنوا، وقالوا ما قالوا.
ثم نبه إلى أنهم لا يوفون بعهدهم، بل إذا زال الخوف نكصوا على أعقابهم، ورجعوا إلى سيرتهم الأولى، وعضوا على الكفر بالنواجذ، وساروا على طريق الأباء والأجداد، فقال: إنا كاشفوا العذاب، إلخ؛ أي: إنا رافعوا هذا الضر النازل بهم، بالخصب الذي نوجده لهم زمنًا يسيرًا، وإنا لنعلم أنهم عائدون إلى سيرتهم الأولى من تمسكهم بالكفر، وترك الحق وراءهم ظهريًا لما في طباعهم من الميل إلى عبادة الأوثان، وتقليد الآباء والأجداد.
١٦ - ولما كان العذاب الأليم لم يؤثر، والإصلاح بالعلم والإيمان لم يفد