أمانة الله في أيدي فرعون وقومه، يلزمهم تأديتهم إلى موسى لكونه أمينًا، فخانوا تلك الأمانة حتى آخذهم الله تعالى على ذلك.
والمعنى (١): أي ولقد اختبرنا قبل مشركي قومك قوم فرعون، وهم مثال قومك في جبووتهم وطغيانهم وعتوهم، واستكبارهم، فأرسلنا إليهم الرسول الكريم موسى عليه السلام، فقال لهم: أيها القوم أرسلوا معي بني إسرائيل، وأطلقوهم من أسركم وتعذيبكم إني رسول من الله مأمون على ما أبلغكم غير متهم فيه ونحو الآية: قوله عز وجل: ﴿فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾.
١٩ - ﴿وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ﴾؛ أي: وبأن لا تتكبروا عليه تعالى، بالاستانة بوحيه وبرسوله، واستخفاف عباده وإهانتهم وقال يحيى بن سلام: لا تستكبروا عن عبادة الله. وقال ابن جريج: لا تعظموا على الله، قيل: والفرق بينهما: أن التعظيم تطاول المقتدر، والاستكبار ترفع المحتقر ذكره الماوردي. وقوله ﴿إِنِّي آتِيكُمْ﴾؛ أي: من جهته تعالى، يحتمل أن يكون اسم فاعل، وأن يكون فعلًا مضارعًا ﴿بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: بحجة واضحة في نفسها، وموضحة صدق دعواي، لا سبيل إلى إنكارها، يعني: المعجزات، تعليل للنهي. وفي إيراد (٢) الأداء مع الأمين، والسلطان مع العلو، من الجزالة ما لا يخفى، وقرأ الجمهور ﴿إِنِّي﴾ بكسر الهمزة على سبيل الإخبار. وقرأت فرقة بفتح الهمزة.
والمعنى عليه: لا تعلوا على الله من أجل أني آتيكم، فهذا توبيخ لهم، كما تقول: أتغضب أن قال لك الحق؛ أي: وأن لا تطغوا وتبغوا على ربكم، فتكفروا به وتعصوه، فتخالفوا أمره؛ لأني آتيكم بحجة وأضحة على حقية ما أدعوكم إليه لمن تأملها وتدبر فيها
٢٠ - ﴿وَإِنِّي عُذْتُ﴾ والتجأت ﴿بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾ وتوكلت عليه من ﴿أَنْ تَرْجُمُونِ﴾ ـي فهو العاصم من شركم من الرجم، وهو الرمي بالرجام بالكسر، وهي الحجارة، أو تؤذوني ضربًا أو شتمًا بأن تقولوا: هو ساحر ونحوه، أو

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon