مسالمةً، إلى أن يقضي الله بيننا،
٢٢ - ولما طال مقامه عليه السلام، بين أظهرهم، وأقام حجج الله عليهم، ولم يزدهم ذلك إلا كفرًا وعنادًا.. دعا عليهم، وإلى ذلك أشار بقوله: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ﴾، إذ كذبوه، ولم يؤمنوا به، ولم يؤدوا إليه عباد الله، وهموا بقتله بـ ﴿أَنَّ هَؤُلَاءِ﴾ القبطيين ﴿قَوْمٌ مُجْرِمُونَ﴾؛ أي: مصرون على الإجرام والكفر، مشركون بك، مكذبون لرسلك، متبعون أهواءهم، وأنت أعلم بهم، فافعل بهم ما يستحقونه،
٢٣ - والفاء في قوله: (٤) ﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا﴾ عاطفة ما (١) بعدها على محذوف ولكنه مع إضمار القول بعدها، لئلا يلزم عطف الإنشاء على الخبر. والإسراء وكذا السرى لا يكون إلا بالليل، لكنه أتى بالليل للتأكيد، وسماه دعاءً مع أنه لم يذكر إلا مجرد كونهم مجرمين؛ لأنهم قد يستحقون بذلك الدعاء عليهم، والتقدير: فأجاب الله دعاءه، فقال له: أسر وَامْشِ يا موسى ببني إسرائيل ومن آمن معك من القبط، من مصر ليلًا، على غفلة من العدو.
ثم علل السرى ليلًا، فقال: ﴿إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾؛ أي: إن فرعون وقومه يتبعونكم إذا علموا بخروجكم ومسيركم ليلًا ليقتلوكم، وأؤخر علمهم بذلك، فلا يدركونكم. ونحو الآية. قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (٧٧)﴾.
وقرأ الجمهور (٢): بفتح همزة: ﴿أَنَّ هَؤُلَاءِ﴾ على إضمار حرف الجر، كما قدرنا آنفًا، وقرأ الحسن في رواية، وابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر وزيد بن علي بكسرها، على إضمار القول. وقرأ الجمهور: ﴿فَأَسْرِ﴾ بقطع الهمزة وقرأ أهل الحجاز بالوصل، ووافقهم ابن كثير، فالقراءة الأولى من أسرى، والثانية: من سرى، يقال: سرى وأسرى لغتان.
٢٤ - ﴿وَاتْرُكِ﴾ يا موسى ﴿الْبَحْرَ﴾؛ أي: بحر القلزم، وهو الأظهر الأشهر، أو النيل، حال كونه ﴿رَهْوًا﴾؛ أي: ساكنًا، مصدر (٣) سمي به البحر للمبالغة، وهو

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon