والمعنى: أنه لم يصب بفقدهم وهلاكهم أحد من أهل السماء، ولا من أهل الأرض، وكانت العرب تقول عند موت السيد منهم: بكت له السماء والأرض؛ أي: عمت مصيبته، ومن ذلك قول جرير:

لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ سُوْرُ الْمَدِيْنَةِ وَالْجِبَالُ الْخُشَّعُ
وقال الحسن: في الكلام حذف مضاف، تقديره: أي ما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض من الملائكة والناس، وقال مجاهد: الكلام على حقيقته، فإن السماء والأرض تبكيان على المؤمن أربعين صباحًا، وقيل: إنه يبكي على المؤمن مواضع صلاته، ومصاعد عمله، وفي الحديث: "إن المؤمن يبكي عليه من الأرض مصلاه، وموضع عبادته، ومن السماء مصعد عمله"، ورُوي: إذا مات كافر استراح منه السماء والأرض، والبلاد، والعباد، فلا تبكي عليه أرض ولا سماء ﴿وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ﴾؛ أي: ممهلين إلى وقت آخر، بل عوجلوا بالعقوبة لفرط كفرهم، وشدة عنادهم؛ أي: ما أمهلوا لتوبة، أو تدارك تقصير، بل عجل لهم العذاب.
٣٠ - ولما بين كيفية إهلاك فرعون وقومه أردف ذلك، بذكر إحسانه إلى موسى، وقومه فبدأ بدفع الضرر عنهم، وهو نجاتهم مما كانوا فيه من العذاب، ثم ذكر اتصال النفع لهم من اختيارهم على العالمين، وإيتائهم الآيات، فقال: ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي، لقد خلصنا أولاد يعقوب بإغراق القبط في اليم ﴿مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾؛ أي: من العذاب الشديد من استعباد فرعون إياهم، وقتل أبنائهم، واستخدام نسائهم وبناتهم، وتكليفه إياهم بالأعمال الشاقة.
٣١ - وقوله: ﴿مِنْ فِرْعَوْنَ﴾ بدل من العذاب، إما على جعله نفس العذاب لإفراطه في التعذيب، وإما على حذف المضاف؛ أي: من عذاب فرعون، أو حال من المهين؛ أي: حال كونه واقعًا من جهة فرعون واصلًا إليهم من جانبه.
وقرأ عبد الله (١): ﴿من عذاب المهين﴾ وهو من إضافة الموصوف إلى
(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon