عالمين، بأنهم أحقاء بالاختيار، والاصطفاء، وفضلناهم ﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾؛ أي: على عالمي زمانهم، أو على العالمين جميعًا في زمانهم وبعدهم في كل عصر، لكثرة الأنبياء فيهم حيث بعث فيهم يومًا ألف نبي، ولم يكن هذا في غيرهم، ولا ينافيه قوله تعالى في حق أمة محمد - ﷺ -: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ الآية، لتغاير جهة الخيرية. وقال هنا (١): ﴿عَلَى عِلّمٍ﴾؛ أي: منا وقال في الجاثية: ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ بحذفه جريًا هنا على الأصل في ذكر ما لا يغني عنه غيره، واكتفاءً، ثم بقوله بعد: ﴿وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ﴾.
يقول الفقير: والحق أن هذه الأمة المرحومة، خير من جميع الأمم من كل وجه، فإن خيرية الأمم إن كانت باعتبار معجزات أنبيائهم، فالله تعالى قد أعطى لنبينا - ﷺ - جميع ما أعطاه للأولين، وإن كانت باعتبار كثرة الأنبياء في وقتٍ واحد، فعلماؤنا الذين كأنبياء بني إسرائيل أكثر، وأزيد، وذلك لأنه لا تخلو الدنيا كل يوم من أيام هذه الأمة إلى قيام الساعة من مئة ألف وليٍّ وأربعة وعشرين ألف ولي، فانظر كم بينهم من الفرق، وهدانا الله وإياكم أجمعين انتهى،
وقال الواسطي رحمه الله تعالى (٢): اخترناهم على علم منا بجناياتهم، وما يقترفون من أنواع المخالفات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا بهم، ليعلموا أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات، ومن هذا القبيل أولاد يعقوب عليه السلام، فإنهم مع ما فعلوا بيوسف من إلقائه في الجب ونحوه، اختارهم الله تعالى للنبوة على قول.
والمعنى (٣): أي ولقد اصطفيناهم على عالمي زمانهم بما أنزلنا عليهم من الكتب، وأرسلنا فيهم من الرسل، ونحن عالمون بأنهم أهل لكل مكرمة وفضل
٣٣ - ﴿وَآتَيْنَاهُمْ﴾؛ أي: وأعطينا بني إسرائيل ﴿مِنَ الْآيَاتِ﴾؛ أي: من الأمور ذوات الخطر والشرف، الدالة على كرامتهم عندنا، وهي معجزات موسى عليه السلام،

(١) فتح الرحمن.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon