وفي "فتح الرحمن": إن قلت: كيف وعد الله تعالى أهل الجنة بلبس الإستبرق، وهو غليظ الديباج، مع أن غليظه عند السعداء، من أهل الدنيا عيب ونقص؟
قلت: غليظ ديباج الجنة لا يشابه غليظ ديباج الدنيا حتى يعاب، كما أن سندس الجنة وهو رقيق الديباج، لا يشابه سندس الدنيا. وقيل: إن السندس لباس سادة أهل الجنة، والإستبرق لباس خدمهم إظهارًا لتفاوت الرتب انتهى. وقرأ ابن محيصن (١): ﴿واستبرق﴾ جعله فعلًا ماضيًا.
وقوله: ﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ حال من فاعل ﴿يَلْبَسُونَ﴾؛ أي: حال كونهم متقابلين في المجالس. ليستأنس بعضهم ببعض. ومعنى متقابلين: متواجهين لا ينظر (٢) بعضهم إلى قفا بعض، لدوران الأسرة بهم، فهو أتم للأنس. وقال بعضهم: معناه: متقابلين بالمحبة، غير متدابرين بالبغض والحسد؛ لأن الله ينزع من صدورهم الغل وقت دخولهم الجنة، فإن قلت: المقصود من جلوسهم متقابلين: استئناس بعضهم ببعض، والجلوس على هذه الصفة موحش؛ لأنه يكون كل واحد منهم مطلعًا على ما فيه الاخر، فقليل الثواب إذا اطلع على حال كثيره.. تنغص.
والجواب: أن أحوال الآخرة بخلاف أحوال الدنيا، اهـ "كرخي".
٥٤ - والكاف، في قوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ إما صفة لمصدر محذوف مع فعله؛ أي: أثبناهم إثابةً مثل المذكور، أو نفعل بالمتقين فعلًا مثل ذلك المذكور، أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: الأمر كذلك، والأول أولى ليعطف عليه، قوله: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾؛ أي: قرناهم بهن، فيتمتعون تارةً بمؤانسة الإخوان ومقابلتهم، وتارةً بملاعبة النسوان من الحور العين، ومزاوجتهن، فليس المعنى: حصول عقد النكاح بينهم وبين الحور، فإن التزويج بمعنى العقد لا يتعدى بالباء، كما جاء في التنزيل: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ وإذا لم يكن عقد التزويج يقال: زوجناك بها، بمعنى كنت فردًا فقرناك بها؛ أي: جعلناك شفعًا بها، والله سبحانه
(٢) روح البيان.