كَمَا لَا تَنْفَعُ الشّمْسُ وَضَوْءُ الْعَيْنِ مَمْنُوْعُ
وإلى الأول أشار النبي - ﷺ - بقوله: "ما خلق الله خلقًا، أكرم عليه من العقل". وإلى الثاني أشار بقوله: "ما كسب أحد شيئًا، أفضل من عقل يهديه إلى هدى، أو يرده عن ردى"، وهذا العقل هو المعني بقوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾، وكل موضع ذم الكفار بعدم العقل، فإشارة إلى الثاني دون الأول، وكل موضع رفع التكليف عن العبد لعدم العقل، فإشارة إلى الأول، كما في "المفردات".
والمعنى (١): لقوم ينظرون بعيون عقولهم، ويعتبرون لأنها دلائل واضحة على وجود صانعها وعظيم قدرته وبالغ حكمته، وخص العقلاء بالذكر؛ لأنه بالعقل يمكن الوقوف على الدلائل. يقول الفقير: لعل سر تخصيص العقل بهذا المقام، وتأخيره عن الإيمان والإيقان، أن هذه الآية دائرة بين علوي وسفلي وما بينهما، وللعقل مدخل تعقل كل ذلك، واشتراك بين الإيمان والإيقان، فافهم جدًا.
٦ - ﴿تِلْكَ﴾ الآيات القرانية من أول السورة إلى هنا، وهو مبتدأ، وخبره قوله: ﴿آيَاتُ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى، المنبهة على الآيات التكوينية ﴿نَتْلُوهَا﴾ ونقرؤها ﴿عَلَيْكَ﴾ يا محمد بواسطة جبريل، حال كوننا ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: محقين، أو حال كون الآيات متلبسةً بالحق والصدق، بعيدةً من الباطل والكذب، وقرىء ﴿يتلوها﴾ بياء الغيبة عائدًا على الله، وقال في "بحر العلوم": نتلوها عليك، حال عاملها معنى الإشارة، كأنه قيل: نشير إليها متلوة عليك، تلاوة متلبسة بالحق مقترنة به، بعيدةً من الباطل واللعب والهزل، كما قال: ﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)﴾، انتهى. ويجوز أن تكون إشارةً إلى الدلائل المذكورة؛ أي: تلك دلائله الواضحة على وجوده ووحدته وقدرته وعلمه وحكمته نتلوها عليك؛ أي: بتلاوة النظم الدال عليها ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ﴾ من الأحاديث، وخبر من الأخبار ﴿بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ﴾؛ أي: وبعد آيات الله، وتقديم الاسم الجليل لتعظيمه، كما في قولهم: أعجبني زيد
(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon