إذا أريد المعنى المتعارف للبشارة، وهو الخبر السار، ويجوز أن يكون على الأصل، فإنها بحسب أصل اللغة عبارة عن الخبر الذي يؤثر في بشرة الوجه بالتغيير، وهو يعم خبر السرور والحزن، ولذا قال في "كشف الأسرار"؛ أي: أخبره خبرًا يظهر أثره على بشرته من الترح، وعبارة أبي حيان: فمعنى (١) ﴿ثُمَّ﴾، الإيذان بأن فعل المقدم عليها بعدما رآها، وعاينها شيء يستبعد في العادة والطباع، وكذلك آيات الله الواضحة، القاطعة بالحق من تليت عليه وسمعها، كان مستبعدًا في العقول إصراره على الضلالة عندها، واستكباره عن الإيمان بها.
والمعنى (٢): أي إذا سمع آيات الله تقرأ عليه، وهي مشتملة على الوعد والوعيد والإنذار والتبشير والأمر والنهي والحكم والآداب، أصر على الكفر بها وجحدها عنادًا، كأنه ما سمعها، ثم أوعده على ما فعل عذابًا أليمًا في نار جهنم، فقال: فبشره أيها الرسول بالعذاب المؤلم، الموجع في جهنم، وبئس القرار، وفي تسمية هذا الخبر المخزي بشرى، وهي لا تكون إلا في الأمر السار، تهكم بهم، واحتقار لشأنهم، فهو من وادي قولك للكافر: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩)﴾، وقول الشاعر:
تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيْعُ
٩ - ﴿وَإِذَا عَلِمَ﴾ ذلك الأفاك ﴿مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا﴾؛ أي: إذا بلغه من آياتنا شيء، وعلم أنه من آياتنا، لا أنه علمه كما هو عليه، فإنه بمعزل من ذلك، قرأ الجمهور (٣): ﴿عَلِمَ﴾ بفتح العين، وكسر اللام مخفة على البناء للفاعل، وقرأ قتادة، ومطر الوراق على البناء للمفعول، والمعنى: أنه إذا وصل إليه علم شيء من آيات الله سبحانه وتعالى: ﴿اتَّخَذَهَا﴾؛ أي: الآيات كلها ﴿هُزُوًا﴾؛ أي: مهزوءًا بها لا ما سمعه فقط، وقيل: الضمير في ﴿اتَّخَذَهَا﴾ عائد إلى ﴿شَيْئًا﴾ لأنه عبارة عن الآيات، فالتأنيث باعتبار المعنى، والأول أولى؛ أي: وإذا وصل إليه

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon