خبرها وبلغه شيء منها جعلها هزوا، وسخريةً. فقد رُوي: أن أبا جهل حين سمع قوله تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤)﴾ دعا بتمر وزبد، وقال لأصحابه: تزقموا من هذا، ما يعدكم محمد - ﷺ - إلا شهدًا، وحين سمع قوله تعالى: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠)﴾؛ أي: على النار، قال: إن كانوا تسعة عشر فأنا ألقاهم وحدي.
ثم ذكر ما يصيب هؤلاء من العذاب فقال: ﴿أُولَئِكَ﴾ الأفاكون المتصفون بتلك الصفات، فالإشارة إلى كل أفاك من حيث الاتصاف بما ذكر من القبائح، والجمع باعتبار شمول كل، كما أن الإفراد في الضمائر السابقة باعتبار كل واحدٍ واحد ﴿لَهُمْ﴾ بسبب جناياتهم المذكورة ﴿عَذَابٌ مُهِينٌ﴾؛ أي: عذاب يهينهم، ويذلهم في نار جهنم، ويذهب بعزهم بما كانوا في الدنيا يستكبرون عن طاعة الله واتباع آياته واتخاذها هزوًا، ووصف (١) العذاب بالإهانة توفية لحق استكبارهم، واستهزائهم بآيات الله
١٠ - ﴿مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ﴾؛ أي: جهنم كائنة من قدامهم؛ لأنهم متوجهون إلى ما أعد لهم؛ أي: من وراء ما هم فيه من التعزز بالدنيا، والتكبر عن الحق، جهنم فإنها من قدامهم؛ لأنهم متوجهون إليها، وعبر بالوراء عن المقدام كقوله: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾، وقول الشاعر:
أَلَيْسَ وَرَائِي إِنْ تَرَاخَتْ مَنِيَّتِيْ
أو المعنى: من خلفهم؛ لأنهم معرضون عن ذلك، مقبلون على الدنيا، فإن الوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام؛ أي: يسترها ﴿وَلَا يُغْنِي﴾؛ أي: لا يدفع ﴿عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا﴾ وجمعوا من الأموال والأولاد، ولا ينفعهم بوجه من وجوه النفع ﴿شَيْئًا﴾ من عذاب الله، فيكون مفعولًا به، أو لا يغني عنهم في دفع ذلك شيئًا من الإغناء؛ أي: إغناءً قليلًا، فيكون مصدرًا، يقال: أغنى عنه إذا كفاه، وقوله: ﴿وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾ معطوف على ﴿مَا كَسَبُوا﴾؛ أي: ولا ينفعهم أيضًا ما عبدوه من دون الله من الأصنام،