تشديد الطاء، وقرأ نافع والكسائي وابن وثاب ﴿يكاد﴾، ﴿يَتَفَطَّرْنَ﴾ بالتحتية فيهما. وقرأ أبو عمرو والمفضل وأبو بكر وأبو عبيد: ﴿ينفطرن﴾ بالتحتية والنون من الانفطار كقوله: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (١)﴾.
وبعد أن بيّن كمال عظمته، باستيلاء هيبته على الجسمانيات، انتقل إلى ذكر الروحانيات فقال: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ﴾ هذا كلام مستأنف، لا تعلق له بما قبله؛ أي: ينزهونه تعالى عما لا يليق به، من الشريك والولد، وسائر صفات الأجسام، حال كونهم متلبسين ﴿بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ سبحانه وتعالى، فقدم التسبيح على الحمد؛ لأنّ التخلية مقدمة على التحلية، وقيل: إن التسبيح موضوع موضع التعجب؛ أي: يتعجبون من جراءة المشركين على الله. وقيل: معنى ﴿بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ بأمر ربهم ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: للمؤمنين بالشفاعة، لقوله تعالى: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾، فالمطلق محمول على المقيد، أو يستغفرون للمؤمن والكافر والفاسق، بالسعي فيما يستدعي مغفرتهم، من الشفاعة والإلهام، وترتيب الأسباب، المقوبة إلى الطاعة، واستدعاء تأخير العقوبة، جمعًا في إيمان الكافر، وتوبة الفاسق، وتكون الآية عامة، وهذا لا ينافي كون الملائكة لاعنين للكفار من وجه آخر، كما قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾، وفي الحديث: "ما فيها موضع أربع أصابع، وفي رواية موضع راحة، إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله، يسبّحون بحمد ربهم، ويستغفرون لمن في الأرض". وهذا يدل على أن المراد بالملائكة في الآية: ملائكة السموات كلها، وقال مقاتل: حملة العرش، وإليه ذهب الكاشفى في تفسيره، ويدل عليه قوله تعالى، في أوائل سورة المؤمن: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾.
يقول الفقير: تخصيص ملائكة العرش، لا ينافي من عداهم، فلعله من باب الترقي؛ لأنّ آية سورة المؤمن - غافر - مقيّدة بحملة العرش، وباستغفار المؤمنين، وهذه الآية مطلقة في حق كل من الملائكة والاستغفار.
ثم بيّن سبحانه أن من شأنه المغفرة والرحمة لعباده، فقال: ﴿أَلَا﴾ للتنبيه؛