يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ}.
١٠ - وبعد أن منع رسوله أن يحمل الكفار على الإيمان قسرًا، منع الكافرين أن يتنازعوا معهم، في شأن من شؤون الدين فقال: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ﴾ هذا (١) حكاية قول النبي - ﷺ - للمؤمنين؛ أي: ما خالفكم فيه الكفار من أهل الكتاب والمشركين، فاختلفتم أنتم وهم فيه ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾؛ أي: في أمر من أمور الدين ﴿فَحُكْمُهُ﴾؛ أي: حكم ذلك المختلف فيه مفوض ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى، وهو إثابة المحقين فيه من المؤمنين، ومعاقبة المبطلين، وهذا عام في كل ما اختلف فيه العباد من أمر الدين، فإن حكمه ومرجعه إلى الله، يحكم فيه يوم القيامة بحكمه، ويفصل خصومة المختصمين فيه، وعند ذلك يظهر المحق من المبطل، ويتميز فريق الجنة وفريق النار، وقال مقاتل: إن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن، وآمن به بعضهم فنزلت، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ويمكن (٢) أن يكون معنى قوله: ﴿فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ أنه مردود إلى كتابه، فإنه قد اشتمل على الحكم بين عباده فيما يختلفون فيه، فتكون الآية عامة في كل اختلاف يتعلق بأمر الدين، أنه يرد إلى كتاب الله تعالى، ومثله قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾. وقد حكم سبحانه وتعالى بأن الدين هو الإِسلام، وأن القرآن حق، وأن المؤمنين في الجنة والكافرين في النار، ولكن لما كان الكفار لا يذعنون لكون ذلك حقًا إلا في الدار الآخرة، وعدهم الله بذلك يوم القيامة.
ثم أمر رسوله - ﷺ - أن يقول لهم: ﴿ذَلِكُمْ﴾ الحاكم بهذا الحكم العظيم الشأن، وهو مبتدأ ﴿اللَّهُ﴾ خبر ﴿رَبِّي﴾ ومالكي لقب لله سبحانه، ﴿عَلَيْهِ﴾ خاصة لا على غيره ﴿تَوَكَّلْتُ﴾ في كل أموري، التي من جملتها رد كيد أعداء الدين ﴿وَإِلَيْهِ﴾ لا إلى أحد سواه ﴿أُنِيبُ﴾؛ أي: أرجع في كل ما يعنّ لي، من معضلات الأمور، التي منها كفاية شرهم والنصر عليهم.

(١) النسفي.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon