خلق لكم من جنسكم ﴿أَزْوَاجًا﴾؛ أي: نساء وحلائل، أو المراد: حواء لكونها خلقت من ضلع آدم. وقال مجاهد: نسلًا بعد نسل ﴿وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا﴾؛ أي: خلق للأنعام من جنسها إناثًا، أو وخلق لكم من الأنعام أصنافًا من الذكور والإناث، وهي الثمانية التي ذكرها في سورة الأنعام ﴿يَذْرَؤُكُمْ﴾ من الذرء، وهو البث، أو يخلقكم وينشئكم، والضمير في يذرؤكم للمخاطبين والأنعام، إلا أنه (١) غلب فيه العقلاء على غيرهم، حيث لم يقل يذرؤكم وإياهن، وغلب فيه المخاطبين على الغائبات، حيث لم يقل يذرؤها وإياكم؛ لأن الأنعام ذكرت بلفظ الغيبة، فإن ﴿كم﴾ مخصوص بالعقلاء، ففيه تغليبان ﴿فِيهِ﴾؛ أي: في هذا الجعل والخلق أزواجًا المدلول عليه بالفعل؛ لأنه يكون بين ذكوره وإناثهم تناسل وتوالد، أو في هذا التدبير وهو جعل الناس والأنعام أزواجًا، ففيه بمعنى به، واختير فيه على لفظ به؛ لأنه جعل هذا التدبير كالمنبع، والمعدن للبث والتكثير ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ﴾؛ أي: كذاته سبحانه وتعالى ﴿شَيْءٌ﴾ من الموجودات، قيل (٢): إِنّ كلمة التشبيه كررت لتأكيد نفي التمثيل والتقدير: ليس مثله شيء، فتكون الكاف زائدة، وقيل: المثل زائدة، والتقدير: ليس كهو شيء كقوله تعالى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ﴾؛ أي: بما آمنتم به، وذلك لأن المراد نفي المثلية، وإذا لم تجعل الكاف أو المثل زائدة، لزم إثبات المثل له تعالى؛ لأن المنفي مثل المثل. وقيل: المعنى ليس كذاته شيء؛ لأنهم يقولون: مثلك لا يبخل، يريدون به نفي البخل عن ذاته، ويقصدون المبالغة في نفي ذلك البخل؛ لأنهم إذا نفوه عمن يقوم مقامه، فقد نفوه عنه، فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين ليس كمثله شيء، وبين ليس كالله شيء، وقال أبو البقاء (٣) مرجحًا لزيادة الكاف: إنها لو لم تكن زائدة لأفضى ذلك إلى إثبات المحال إذ يكون المعنى أن له تعالى مثلًا وليس لمثله مثل، وفي ذلك تناقض، لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل، وهو مع أن إثبات المثل لله سبحانه وتعالى محال انتهى. ولكنه يندفع ما

(١) روح البيان.
(٢) النسفي.
(٣) العكبري.


الصفحة التالية
Icon