وكان (١) - ﷺ - قبل نبوته يعبد ربه، بشريعة إبراهيم عليه السلام، حتى جاءه الوحي، وجاءته الرسالة. ولم يكن على ما كان عليه قومه، باتفاق الأمة وإجماع الأئمة.
والخلاصة (٢): أننا شرعنا لكم، ما شرعنا للأنبياء قبلكم، دينًا واحدًا في الأصول، وهي التوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج والتقرب بصالح الأعمال، كالصدق والوفاء بالعهد وأداء الأمانة وصلة الرحم، وحرمنا عليكم الزنا، وإيذاء الخلق، والاعتداء على الحيوان، فكل هذا قد اتحد فيه الرسل، وإن اختلفوا في تفاصيله.
ثم ذكر سبحانه وتعالى، أن ما شرعه لعباده شق على المشركين، فقال: ﴿كَبُرَ﴾؛ أي: عظم وشق ﴿عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ يا محمد من التوحيد، ورفض عبادة الأصنام، واستبعدوه حيث قالوا: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)﴾ وقال قتادة: شهادة أن لا إله إلا الله وحده، ضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يظهرها على من ناوأها؛ أي: عاداها.
والمعنى: أي شق على المشركين دعوتهم إلى التوحيد، وترك عبادة الأصنام والأوثان، وتقريعهم على ذلك، لأنهم توارثوا ذلك كابرًا عن كابر، ونقلوه عن الآباء والأجداد، كما حكى سبحانه عنهم بقوله: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾.
وبعد أن أرشد المؤمنين إلى التمسك بالدين، ذكر أنه إنما هداهم إلى ذلك لأنه اصطفاهم من بين خلقه فقال: ﴿اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَجْتَبِي إِلَيْهِ﴾؛ أي: إلى دينه الحق؛ أي: يختار لتوحيده والدخول في دينه ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ اجتباءه من عباده، والاجتباء (٣): الجمع على طريق الاصطفاء، وهو هنا مأخوذ من الجباية، وهي جلب الخراج، وجمعه لمناسبة النهي عن التفرق في الدين، ولأن الاجتباء
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.