وجه فيه دقة: وقال مقاتل: لطيف بالبار والفاجر، حيث لم يقتلهم جوعًا بمعاصيهم، وقال القرطبي: لطيف بهم في العرض والمحاسبة، وقيل (١): كثير الإحسان بهم بالحياة والعقل ودفع أكثر البليات عنهم، وإعطاء ما لا بد منه من الرزق، وتأخير العذاب عمن يستحقون العذاب.
والمعنى (٢): أنه يجري لطفه على عباده في كل أمورهم، ومن جملة ذلك، الرزق الذي يعيشون به في الدنيا، وهو معنى قوله: ﴿يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ﴾ منهم أن يرزقه كيفما يشاء، فيوسع على هذا، ويضيق على هذا، فيخص كلا من عباده، الذين عمهم جنس لطفه، بنوع من البر على ما تقتضيه مشيئته، المبنية على الحكم البالغة، فلا مخالفة بين عموم الجنس وخصوص النوع، يعني: أن المخصوص بمن يشاء هو نوع البر وصنفه، وذلك لا ينافي عموم جنس بره بجميع عباده، على ما أفادته إضافة العباد إلى ضميره تعالى، حتى يلزم التناقض بين الكلامين، فالله تعالى يبرهم جميعًا، لا بمعنى أن جميع أنواع البر، وأصنافه يصل إلى كل أحد فإنه مخالف الحكمة الإلهية، إذ لا يبقى الفرق حينئذٍ بين الأعلى والأدنى، بل يصل بره إليهم على سبيل التوزيع، بأن يخص أحدًا بنعمة وآخر بأخرى، فيرجع بذلك كل واحد منهم إلى الآخر، فيما عنده من النعمة، فينتظم به أحوالهم، ويتم أسباب معاشهم، وصلاح دنياهم وعمارتها، فيؤدي ذلك إلى فراغهم لاكساب سعادة الآخرة، وقال بعضهم: معناه: يرزق من يشاء بغير حساب، إذ الآيات القرآنية يفسر بعضها بعضًا.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه ﴿الْقَوِيُّ﴾؛ أي: العظيم القوة الباهرة، والقدرة البالغة وهو يناسب عموم لطفه للعباد، قيل: والقوة في الأصل: صلابة البنية وشدتها المضادة للضعف، ولما كانت محالًا في حق الله تعالى، حملت على القدرة، لكونها مسببة من القوة.
قلت: ولا حاجة إلى هذا التأويل؛ لأن القوة صفة ثابتة لله تعالى، أثرها

(١) المراح.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon