السيئات، التي عملوها في الدنيا ومن أجلها، فكلمة من للتعليل، وليست صلة مشفقين، حتى يحتاج إلى تقدير المضاف، مع أنه أيضًا معنى صحيح؛ لأنه أبلغ وأدخل في الوعيد ﴿وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾؛ أي: والحال أن وبال ما كسبوه، وجزاءه، لا حق بهم لا محالة، أشفقوا أو لم يشفقوا والجملة حال من ضمير مشفقين، أو اعتراض. قال سعدي المفتي: يعني ينعكس الحال في الآخرة، فالآمنون في الدنيا يشفقون في الآخرة، والمشفقون في الدنيا يأمنون في الآخرة؛ أي: ترى الظالمين خائفين، وجلين أشد الخوف والوجل، لأجل ما كسبوا في الدنيا من السيئات، والحال أن جزاءه واقع بهم، نازل عليهم لا محالة، أشفقوا أو لم يشفقوا، وذكر الآخرين بقوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾؛ أي: استعملوا تكاليف الشرع لقمع الطبع، وكسر الهوى، وتزكية النفس وتصفية القلب وتحلية الروح، مستقرون ﴿فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ﴾؛ أي: في أطيب بقاع الجنات وأنزهها، كما أنها في الدنيا أحسن أمكنتها.
قال في "حواشي الكشاف": الروضة اسم لكل موضع فيه ماء وعشب، وفي "كشف الأسرار": هي الأماكن المتسعة، المونقة ذات الرياحين. والزهر، انتهى. وفي الحديث: ثلاث يجلون البصر، النظر إلى الخضرة، وإلى الماء الجاري، وإلى الوجه الحسن. قال ابن عباس: رضي الله عنه: والإثمد عند النوم، قال الراغب: قوله: ﴿فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ﴾ إشارة إلى ما أعد لهم في العقبى من حيث الظاهر، وقيل: إشارة إلى ما أهلهم له من العلوم والأخلاق التي من تخصص بها طاب قلبه؛ أي: والذين آمنوا بالله، وأطاعوه فيما أمر به ونهى عنه، لهم في الآخرة روضات الجنات، متمتعين بمحاسنها ولذاتها.
ثم بين ما يكون لهم من النعيم، في تلك الروضات، فقال: ﴿لَهُمْ﴾ خبر مقدم ﴿مَا يَشَاءُونَ﴾ مبتدأ مؤخر؛ أي: ما يشتهونه من فنون المستلذات من مآكل ومشارب، ومناظر مما لاعين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حاصل لهم ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ على أن عند ربهم ظرف للاستقرار العامل في ﴿لَهُمْ﴾، وقيل: ظرف ليشاؤون على أن يكون عبارة عن كونهم عند الله.


الصفحة التالية
Icon