وكفاية لهم في الموعظة إن فكروا واعتبروا، ودليله قوله تعالى: ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ﴾، وقوله: ﴿إِنَّ في هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (١٠٦)﴾. أو تبليغ من الرسول إليهم، فالعبد يضرب بالعصا، والحرّ يكفيه الإشارة.
ثمّ أوعد وأنذر، فقال: ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ﴾؛ أي: ما يهلك بالعذاب ﴿إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾؛ أي: الخارجون عن الاتعاظ به، أو الخارجون عن طاعة الله، المخالفون لأمره ونهيه، إذ لا يعذِّب إلا من يستحق العذاب، وقال بعض أهل التأويل؛ أي: الخارجون عن عزم طلبه إلى طلب ما سواه، وفي هذه الألفاظ وعيد محضٌ، وإنذارٌ بيِّن، وقال قتادة: لا يهلك على الله إلا هالك مشرك، وهذه الآية أقوى آية من الرجاء، ومن ثم قال الزجاج: تأويله: لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون، وهذا تطميع في سعة فضل الله سبحانه وتعالى.
وقرأ أبيٌّ: ﴿من النهار﴾، وقرأ الجمهور (١): ﴿مِنْ نَهَارٍ﴾ وقرأ الجمهور: ﴿بَلَاغٌ﴾ بالرفع، وقرأ الحسن وزيد بن عليّ وعيسى: ﴿بلاغًا﴾ بالنصب، فاحتمل أن يراد بلاغًا في القرآن؛ أي: بلِّغوا بلاغًا، أو بلَّغنا بلاغًا، وقرأ الحسن أيضًا: ﴿بلاغ﴾ بالجرّ نعتًا لـ ﴿نَهَارٍ﴾. وقرأ أبو مجلز وأبو سراح الهذليَّ: ﴿بلِّغ﴾ على الأمر للنبيّ - ﷺ -، وعن أبي مجلز أيضًا: ﴿بلَّغ﴾ فعلا ماضيًا، وقرأ الجمهور: ﴿يُهْلَكُ﴾ بضم الياء وفتح اللام وابن محيصن فيما حكى عنه ابن خالويه: بفتح الياء وكسر اللام، وعنه أيضًا: بفتح الياء واللام، وماضيه هلك بكسر اللام، وهي لغة، وقال أبو الفتح: هي مرغوبٌ عنها، وقرأ زيد بن ثابت: ﴿يُهلك﴾ بضم الياء وكسر اللام، ﴿إلا القوم الفاسقين﴾ بالنصب.
الإعراب
﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا﴾.
﴿وَإِذْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إذ﴾: ظرف لما مضى من الزمان، متعلق

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon