فأطلقتموهم بلا عوضٍ من مال أو غيره، وأن شئتم. ، فاديتموهم بمال تأخذونه منهم حتى لا يكون حرب مع المشركين، ولا قتال بزوال شوكتهم.
واعلم (١): أنَّ للحرب فوائد، وللسلم أخرى، فالأمم في حال الطفولة عقولها أشبه بعقول الشابّ المراهق، الذي لم يبلغ الحلم، تراه يقاتل الصبيان، ويشاجرهم، ويوقع الأذى بهم، وهم يزيدون في أذاه، وينكلون به، وهذه هي حال الأمم اليوم.
ألا إنَّ الحرب تقوِّي الأبدان، وترقي الصناعات، وتجعل الأمم تنمو وتوقظ الشعور، وتفتح المغلق، وتيسر العسير، قال أرسطو للإسكندر: إنّ الراحة مضرة للأمم، ومن ثم قيل: إذا أردت رقي أمةٍ.. فاجعلها تخوض الحروب، فذلك يفتح لها باب السعادة، والأمم النائمة على فراش الراحة الوثير، معرَّضة للزوال، كما رأينا ذلك في بعض من عليه الاستئمار من أفريقيا، فإذا كملت أخلاف الأمم ومواهبها.. فإنّ نتائج السلم عندها ستكون كنتائج الحرب لدى من قبلها، فكما يفرح الرجل في الأمم الحاضرة بغلبة الأعداء، وشفاء الغليل، وجمع الرجال والسلاح والكراع، فسيكون فرح الأمم فيما بعد بمساعدة غيرها، وانشراح صدورها، بظهور أمم أخرى تكافح معها في ميدان الحياة، ويكون كل فرد في الأمم المقبلة أشبه بالأب، يكدح لمساعدة أبنائه، وهذا الكدح والجد في العمل لفائدة الجميع، يجد العامل فيه لذّةً وفرحًا أشدَّ من فرح المنتصر في ميادين القتال.
وإنَّ الأمم لا تزال في الطور الأول، فهي تسعى لإسعاد نفسها، بإهلاك سواها، وسيأتي حينٌ تسعى فيه لإسعاد الجميع، ويكون فرحها بهذا المسعى أشد من فرحها بهزيمة الأعداء، ويكون الناس جميعًا بعضم لبعض كالآباء والأبناء.
واعلم (٢): أنه قد اختلف العلماء في هذه الآية، هل هي محكمة أو منسوخة؟ فقيل: إنها منسوخة في أهل الأوثان، وأنه لا يجوز أن يفادوا ولا يمن
(٢) الشوكاني.