رائحة طيِّبة. فالمعنى: زيَّنها وطيَّبها لهم بأنواع الملاذ. وقال بعضهم: حدَّدها لهم، وأفرزها: من عرَّف الدار إذا حدَّدها؛ أي: جعل لها حدودًا، فجنة كل أحد محدَّدة مفرزة. وقيل: هذا التعريف بدليل يدلهم عليها، وهو الملك الموكل بالعبد، يسير بين يديه حتى يدخله منزله، كذا قال مقاتل.
ومن فضائل الشهداء: أنه ليس أحد يدخل الجنة يحب أن يخرج منها، ولو أعطي ما في الدنيا جميعًا إلا الشهيد، فإنه يتمنَّى أن يردَّه الله إلى الدنيا مرارًا، فيقتل في سبيل الله كما قتل أولًا؛ لما يرى من عظيم كرامة الشهداء على الله تعالى. ومن فضائلهم: أنّ الشهادة في سبيل الله تكفّر ما على العبد من الذنوب التي بينه وبين الله تعالى، وفي الحديث: "يغفر للشهيد كلّ شيء إلا الدَّيْن". والمراد (١) بالدين: كل ما كان عليه من حقوق الآدميين، كالغصب وأخذ المال بالباطل، وقتل العمد، والجراحة، وغير ذلك من التبعات، وكذلك الغيبة والنميمة والسخرية وما أشبه ذلك، فإنّ هذه الحقوق كلها لا بدّ من استيفائها لمستحقيها، وقال القرطبي: الدين الذي يحبس صاحبه عن الجنة: هو الذي قد ترك له وفاء ولم يوصِّ به، أو قدر على الأداء فلم يؤدِّه، أو ادّانه على سفه أو سرف ومات ولم يوفه، وأما من ادّان في حق واجب كفاقة وعسر، ومات ولم يترك وفاء.. فإنّ الله تعالى لا يحبسه عن الجنة شهيدًا كان أو غيره، ويقضي عنه، ويرضي عنه خصمه، كما قال - ﷺ -: "من أخذ أموال الناس يريد أدائها.. أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها.. أتلفه الله".
ومجمل معنى الآية (٢): أي سيوفقهم الله للعمل بما يرضيه ويحبّه، ويصونهم مما يورث الضلال في الدنيا، ويصلح شأنهم في العقبى، ويتقبل أعمالهم، ويجعل لكل منهم مقرًّا في الجنة، لا يضل في طلبه.
لا جرم أنّ لكل امرىء في الحياة عملًا يستوجب حالًا في الآخرة لا يتعدّاها، كما يحصل كل من نال إجازةً في علم أو صناعةٍ على عمل يشاكل
(٢) المراغي.