تعالى، فنفي المولى عنهم هنا لا يعارض إثباته في قوله: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾؛ لأنّ المراد به هناك: المالك لأمورهم، المتصرف في شؤونهم، أو المعنى: لا مولى لهم في اعتقادهم حيث يعبدون الأصنام، وإن كان مولاهم الحق تعالى في نفس الأمر.
ومعنى الآية (١): ذلك الذي فعله بهم من التدمير والهلاك، ونصر المؤمنين، وإظهارهم عليهم، بسبب أنّ الله ولي من آمن به، وأطاع رسوله، وأنّ الكافرين لا ناصر لهم فيدفع ما حلّ بهم من العقوبة والعذاب.
١٢ - وبعد أن بيّن حال المؤمنين والكافرين في الدنيا.. بيّن حالهم في الآخرة، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ ذا الجلال والإكرام ﴿يُدْخِلُ﴾ يوم القيامة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ به، وصدّقوا رسوله ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾؛ أي: الأعمال الصالحة ﴿جَنَّاتٍ﴾ وبساتين ﴿تَجْرِي﴾ وتسيل ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾؛ أي: من تحت أشجارها وقصورها ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الأربعة الآتية، كرامةً لهم على إيمانهم بالله، ورسوله واليوم الآخر، وهذا بيان لحكم ولايته تعالى للمؤمنين، وثمرتها الأخروية. قال الإِمام الرازي (٢): كثيرًا ما يقتصر الله سبحانه على ذكر الأنهار في وصف الجنة؛ لأنّ الأنهار يتبعها الأشجار، والأشجار تتبعها الثمار، والماء سبب حياة العالم، والنار سبب الإعدام. وللمؤمن الماء ينظر إليه، وينتفع به، وللكافر النار يتقلب فيها، ويتضرّر بها. انتهى.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وجحدوا بالله، وكذّبوا رسوله ﴿يَتَمَتَّعُونَ﴾؛ أي: ينتفعون في الدنيا بمتاعها أيامًا قلائل، ويعيشون ﴿وَيَأْكُلُونَ﴾ من طيّباتها، حريصين غافلين عن عواقبهم ﴿كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ﴾ والبهائم في مسارحها، ومعالفها، غافلة عمّا هي بصدده من النحر والذبح ﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾؛ أي: والحال أنّ النار الأخروية منزل ثواء وإقامةٍ، وخلودٍ لهم، والجملة إما حال مقدرة من واو ﴿يأكلون﴾، أو مستأنفة.

(١) المراغي.
(٢) تفسير الرازي.


الصفحة التالية
Icon