لأرباب الظواهر والباطن ﴿الْحَكِيمُ﴾؛ أي: المتقين في صنعه، وما كان من الحكيم ففيه حكمة بالغة،
٣ - فإنّ الله تعالى لا يفعل إلا ما فيه مصلحة لعباده، كما قال: ﴿مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ بما فيهما من حيث الجزئية منهما، ومن حيث الاستقرار فيهما ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من المخلوقات: كالنار والهواء والسحاب والأمطار والطيور المختلفة ونحوها ﴿إِلا﴾ خلقا متلبسًا ﴿بِاَلحَق﴾؛ أي: بالغرض الصحيح، والحكمة البالغة، وأنّ جعلها مقارًّا للمكلفين، ليعملوا فيجازيهم يوم القيامة، لا بالعبث والباطل، فإنه ما وجد شيء إلا لحكمة. وفي الآية إشارة إلى أنّ المخلوقات كلها ما خلقت إلا لمعرفة الحق تعالى، كما قال: فخلقت الخلق لأعرف، ولهذه المعرفة خلقت سموات الأرواح، وأراضي النفوس، وما بينهما من العقول والقلوب والقوى.
﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾: معطوف (١) على ﴿الْحَقِّ﴾ بتقدير المضاف المحذوف؛ أي: وإلا بتقدير أجل معين ينتهي إليه أمور الكل، وبقاؤه في هذه الدنيا؛ لأنَّ اقتران الخلق ليس إلا به، لا بالأجل نفسه، وهذا الأجل هو يوم القيامة، فإنه ينتهي فيه السموات والأرض وما بينهما، وتبدل الأرض غير الأرض والسموات. وقيل: المراد بالأجل المسمى: هو انتهاء أجل كل فرد من أفراد المخلوقات، وهو آخر مدة بقائه المقدر له. والأول أولى، وفيه إشارة إلى قيام الساعة، وانقضاء مدّة الدنيا، وأنّ الله سبحانه لم يخلق خلقًا باطلًا وعبثا لغير شيء، بل خلقه للثواب والعقاب، وفيه موعظة وزجر؛ أي: فانتبهوا أيها الناس، وانظروا ما يراد بكم، ولم خلقتم.
والمعنى (٢): أي ما خلقناهما إلا خلقا متلبسًا بالعدل، وبتقدير أجل مسمى لكل مخلوق، إليه ينتهي بقاؤه في هذه الحياة الدنيا، وهذا يستدعي أن يكون خلقه لحكمة وغاية، وأنَّ هناك يومًا معلوما للحساب والجزاء؛ لئلا يتساوى من أحسن في الدار الأولى، ومن أساء فيها، ومن أطاع ربه واتبع أوامره ونواهيه، ومن دسَّ

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon