وقرأ الجمهور (١): ﴿آنِفًا﴾ على وزن فاعل، وابن كثير: ﴿آنِفًا﴾ على وزن فعل.
والمعنى (٢): أي ومن الناس منافقون يستمعون، فلا يعون ما تقول، ولا يفهمون ما تتلوا عليهم من كتاب ربك، تغافلًا عما تدعوهم إليه من الإيمان، حتى إذا خرجوا من عندك.. قالوا لمن حضر مجلسك من أهل العلم بكتاب الله: ماذا قال محمد قبل أن نفارق مجلسه؟ وما مقصدهم من ذلك إلا السخرية والاستهزاء بما يقول، وأنه مما لا ينبغي أن يؤبه به، أو يلقى لمثله سمع.
روى مقاتل: أنَّ النبي - ﷺ - كان يخطب ويعيب المنافقين، فإذا خرجوا من المسجد. سألوا عبد الله بن مسعود استهزاءً، ماذا قال محمد آنفًا؟ قال ابن عباس: وقد سئلت فيمن سئل.
ثم بين سبب استهزائهم، وتهاونهم بما سمعوا، فقال: ﴿أُولَئِكَ﴾ المنافقون القائلون ما ذكر التاركون اتباع الحق، وهم: ﴿الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى وختم ﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ وأماتها، فلم يؤمنوا، ولا توجهت قلوبهم إلى شيء من الخير ﴿وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ الباطلة، وشهواتهم العاطلة في الكفر والعناد، فلذلك فعلوا ما فعلوا مما لا خير فيه.
أي (٣): هؤلاء الذين هذه صفتهم هم الذين ختم الله على قلوبهم، فلا يهتدون للحق الذي بعث الله به رسوله - ﷺ -، واتّبعوا شهواتهم، وما دعتهم إليه أنفسهم، فلا يرجعون إلى حجة ولا برهان.
١٧ - ثمّ ذكر سبحانه أضداد هؤلاء بقوله: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا﴾ إلى طريق الحق والخير، فآمنوا بالله، وعملوا بما أمرهم الله به ﴿زَادَهُمْ﴾ الله سبحانه ﴿هُدًى﴾ ورشادًا بالتوفيق والإلهام، وقيل: زادهم النبيّ - ﷺ -، وقيل: زادهم القرآن، وقال الفرَّاء: زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى، وقيل: زادهم نزول الناسخ

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon