نفسه وركب رأسه واتبع شيطانه وهواه، وسلك سبل الغواية، فلم يترك منها طريقًا إلا سلكه، ولا بابًا إلا ولجه.
ثم بين غفلة المشركين، وإعراضهم عما أنذروا به فقال: ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: مشركوا أهل مكة ﴿عَمَّا أُنْذِرُوا﴾ وخوّفوا به في القرآن من البعث والحساب والجزاء، وأهوال يوم القيامة ﴿مُعْرِضُونَ﴾؛ أي: مولّون غير مستعدين له بالإيمان والعمل الصالح. والجملة (١): في محل النصب على الحال؛ أي: والحال أنهم معرضون عنه غير مؤمنين به. و ﴿ما﴾ في قوله: ﴿عَمَّا أُنْذِرُوا﴾: يجوز أن تكون موصولةً، وأن تكون مصدريةً؛ أي: عن إنذار الرسول إياهم.
والمعنى (٢): أي مع ما نصبنا من الأدلة، وأرسلنا من الرسل، وأنزلنا من الكتب بقي هؤلاء الكفار معرضين عنه غير ملتفتين إليه، فلا هم بما أنزلنا من الكتب اتعظوا، ولا بما شاهدوا من أدلة الكون اعتبروا، وأنى لهم ذلك فهم صُمٌّ بكمٌ عميٌّ لا يعقلون.
٤ - وبعد أن أثبت لنفسه الألوهية، وأنه رحيم عادل، وأثبت البعث والجزاء يوم القيامة.. ردَّ على عبدة الأصنام فقال: ﴿قُل﴾ يا محمد للكافرين توبيخًا وتبكيتًا ﴿أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ﴾؛ أي: أخبروني ما تعبدون ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ سبحانه من الأصنام والكواكب وغيرهما ﴿أَرُونِي﴾ تأكيد لـ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾؛ أي: أخبروني ﴿مَاذَا خَلَقُوا﴾؛ أي: الآلهة ﴿مِنَ الْأَرْضِ﴾ بيان للإبهام في ﴿مَاذَا﴾؛ أي: أخبروني أيَّ جزءٍ من أجزاء الأرض تفردوا بخلقه دون الله، فالمفعول الأول لـ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ قوله: ﴿مَا تَدْعُونَ﴾، والثاني ﴿مَاذَا خَلَقُوا﴾. ومآله أخبروني عن حال آلهتكم، ويحتمل أن لا يكون ﴿أَرُونِي﴾ تأكيدًا، بل يكون هذا من باب التنازع؛ لأنَّ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ يطلب مفعولًا ثانيًا، و ﴿أَرُونِي﴾ كذلك. ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ﴾؛ أي: شركة مع الله، و ﴿أَمْ﴾ هذه هي المنقطعة المقدرة ببل الإضرابية، وهمزة الاستفهام الإنكاري التوبيخي؛ أي: بل ألهؤلاء الأصنام شركة مع الله تعالى ﴿فِي﴾ خلق ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ أو ملكها
(٢) المراغي.