بما سمعوا، وأعمى أبصارهم عن الاستفادة مما شاهدوا من الآيات المنصوبة في الأنفس والآفاق، فلم يكن سماعهم سماع إدراك، ولا إبصارهم إبصار اعتبار.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: "إنّ الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم. قامت الرحم، فأخذت بِحِقْوِ الرحمن، فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذلك لك" ثمّ قال رسول الله - ﷺ -: "اقرؤوا إن شئتم: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ...﴾ " الآية. أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
وقد وردت أحاديث كثيرة في صلة الرحم، كما مرّ بعضها في أول سورة النساء، فلا نطيل الكلام بذكرها هنا.
٢٤ - و ﴿الهمزة﴾ في قوله: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾ للاستفهام التوبيخي، داخلة على مقدر يقتضيه المقام، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المقدر، والتقدير: ألا يلاحظ هؤلاء المنافقون هذا القرآن فلا يتدبرونه، ولا يتصفحون ما فيه من المواعظ الزاجرة، والحجج الظاهرة، والبراهين القاطعة، التي تكفي من له فهم وعقل، وتزجره عن الكفر بالله، حتى لا يقعوا في المعاصي الموبقة ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ﴾ لهم ﴿أَقْفَالُهَا﴾ وأغلاقها، فلا يكاد يصل إليها ذكر أصلًا.
والمعنى: أنه لا يدخل في قلوبهم الإيمان، ولا يخرج منها الكفر والشرك، لأنَّ الله سبحانه قد طبع عليها، والمراد بالقلوب: قلوب هؤلاء المخاطبين، والأقفال: جمع قفل بالضم: وهو الحديد الذي يغلق به الباب. كما في "القاموس".
قال في "الإرشاد" (١): ﴿أَمْ﴾: منقطعة، وما فيها من معنى بل، للانتقال من التوبيخ بعدم التدبّر إلى التوبيخ بكون قلوبهم مقفلة لا تقبل التدبّر، والتفكر، وما فيها من معنى الهمزة للتقرير، وتنكير القلوب: إما لتهويل حالها، وتفظيع شأنها بإبهام أمرها في الفساد والجهالة، كأنه قيل: أم على قلوب منكرة لا يعرف

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon