منْطِقٌ صَائِبٌ وَتَلْحَنُ أَحْيَا نَا وَخَيْرُ الأَحَادِيْثِ مَا كَانَ لَحْنَا
يريد: أنها تتكلم بشيء وتريد غيره، وتعرض في حديثها، فتزيله عن جهته لفطنتها وذكائها، وقد كانوا يخاطبون الرسول - ﷺ - بألفاظ ظاهرها الحسن، وهم يعنون بها: القبيح، قال الكلبيّ: فلم يتكلم بعد نزولها عند النبيّ - ﷺ - منافق إلا عرفه، وقال أنس: فلم يخف منافق بعد هذه الآية على رسول الله - ﷺ -، عرّفه الله ذلك بوحي أو علامة عرفها بتعريف الله إيّاه، وفي الحديث: "ما أسرَّ أحد سريرةً إلا كساه الله جلبابها، إن خيرًا.. فخير، وإن شرًا.. فشر".
وروي: أنَّ أمير المؤمنين عثمان بن عفان قال: ما أسرّ أحد سريرة إلا أبداها الله سبحانه على صفحات وجهه، وفلتات لسانه. وقد ثبت في الحديث تعيين جماعة من المنافقين، فقد روى أحمد عن عقبة بن عامر، قال: خطبنا رسول الله - ﷺ - خطبة، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "إنّ فيكم منافقين، فمن سميت.. فليقم، ثم قال: قم يا فلان، قم يا فلان، ثم يا فلان" حتى سمى ستة وثلاثين رجلًا، ثمّ قال: "إنّ فيكم منافقين، فاتقوا الله". قال: فمرّ عمر رضي الله عنه برجل ممن سمي مقنع قد كان يعرفه، فقال: مالك، فحدثه بما قال رسول الله - ﷺ -، فقال: بعدًا لك سائر الدهر.
ثم وعد سبحانه وأوعد وبشّر وأنذر، فقال: ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ ونياتكم، فيجازيكم بحسب قصدكم وعملكم على ما قدّمتم أو خير أو شر، إذ لا يضيع عمل عامل منكم عدلًا منه ورحمةً، وهذا وعد منه للمؤمنين، ووعيد للمنافقين، وإيذان بأنَّ حالهم بخلاف حال المنافقين
٣١ - ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾؛ أي: وعزّتي وجلالي، لنبلونكم بالأمر بالقتال ونحوه من التكاليف الشاقة؛ إعلامًا لا استعلامًا، أو نعاملكم معاملة المختبر ليكون أبلغ في إظهار العذاب، فإنّ الله تعالى عالم بجميع الأشياء ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ على مشاقّ الجهاد علمًا فعليًّا يتعلّق به الجزاء؛ أي: حتى (١) نعلم كائنًا ما علمناه أزلًا أنه سيكون
(١) النسفي.


الصفحة التالية