الآيات المتلوّة.
ويجوز (١) أن تكون ﴿اللام﴾ بمعنى الباء؛ أي: كفروا بالحق، والتعدية بـ ﴿اللام﴾ من حمل النقيض على النقيض، فإن الإيمان يتعدّى بها كما في قوله: ﴿آمَنْتُمْ لَهُ﴾ وغيره. والحق هنا عبارة عن الآيات المتلوّة وضع موضع ضميرها تنصيصًا على حقّيتها، ووجوب الإيمان بها، كما وضع الموصول موضع ضمير المتلوّ عليهم؛ تسجيلًا بكمال الكفر والضلالة عليهم ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ﴾؛ أي: في أول ما جاءهم من غير تدبّر ولا تأمل ﴿هَذَا﴾ الحق الذي هو القرآن المتلوّ عليهم ﴿سِحْرٌ مُبِينٌ﴾؛ أي: ظاهر كونه سحرًا وباطلًا لا حقيقة له، وإذا جعلوه سحرًا.. فقد أنكروا ما نطق به من البعث والحساب والجزاء، وصاروا أكفر من الحمير؛ أي: أجهل وأبلد من الحمير؛ لأنّ الكفر من الجهل والعياذ بالله.
والمعنى (٢): أي وإذا تليت على هؤلاء حججنا التي أودعناها كتابنا، الذي أنزلناه عليك حال كونها بينة واضحةً جليةً.. قالوا في شأن الحق الذي أتاهم، وهو القرآن: هذا سحر واضح، وتمويه خادع، يفعل فعل السحر في قلب من سمعه، فكذّبوا به وافتروا وكفروا وضلوا.
٨ - ثم انتقل من هذه المقالة الشنعاء إلى ما هو أشنع منها، فقال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾؛ أي: بل أيقول كفار مكة: افترى محمد هذا القرآن؛ أي: اختلقه من عند نفسه، وأضافه إلى الله كذبًا، فقولهم هذا منكر، ومحل تعجب، فإن القرآن كلام معجز خارج عن حيّز قدرة البشر، فكيف يقوله محمد - ﷺ - ويفتريه؟.
واعلم: أنّ كلًّا من السحر والافتراء كفر، لكن الافتراء على الله أشنع من السحر، و ﴿أَمْ﴾ هنا هي (٣) المنقطعة المقدرة بمعنى بل، وهمزة الاستفهام التوبيخي التعجبي من صنيعهم، ويل للانتقال عن تسميتهم الآيات سحرًا إلى قولهم: إنّ رسول الله - ﷺ - افترى ما جاء به، وفي ذلك من التوبيخ والتقريع ما لا

(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon