معتمرًا، وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حربًا، وأعتلّوا بانّ أموالهم وأهليهم قد شغلتهم، لكنّهم في حقيقة أمرهم كانوا ضعاف الإيمان، خائفين من مقاتلة قريش، وكنانة وثقيف والقبائل المجاورة لمكة: وهم الأحابيش، وقالوا: كيف نذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة، وقتلوا أصحابه فنقاتلهم؟ وقالوا: لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذا السفر، ففضحهم الله تعالى في هذه الآية، وأخبر بأنه أعد لهؤلاء وأمثالهم نارًا موقدة، تطّلع على الأفئدة، وأعد للمؤمنين جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها أبدًا، وهو ذو مغفرة لمن أقلع من ذنبه، وأناب إلى ربّه.
قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه لما ذكر (١) اعتذارهم عن التخلّف فيما سلف، بأنه إنما كان لمعالجة معايشهم، وصلاح أموالهم، وما كان له من سبب آخر يقعدهم عن نصرته.. أعقب ذلك بما يكذّبهم في هذه المعذرة، فإنهم قد طلبوا السير مع النبيّ - ﷺ - في وقعه خيبر، لما يتوقعونه من مغانم يأخذونها، ولو كانت التّعِلّة السالفة حقًا.. ما طلبوا السير معه بحال.
ثم أخبر بأن الله سبحانه رفض طلبهم الذهاب مع رسول الله إلى خيبر، فقالوا: إنّ ذلك حسد من المؤمنين لهم، أن ينالوا شيئًا من الغنيمة، فرد الله عليهم ما قالوا، وأبان أنهم قوم مادّيّون لا يسعون إلا للدنيا، ولا يفهمون ما يعلي شأن الدين، ويرفع قدره.
قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه لما رفض (٢) إشراك المتخلّفين في قتال خيبر، عقابًا لهم على تقاعدهم عن نصرة الله ورسوله في الحديبية.. أردف ذلك ببيان أنّ باب القتال لا يزال مفتوحًا أمامكم، فإن شئتم أن تبرهنوا على مالكم من بلاءٍ في ميدان القتال.. فاستعدوا، فستندبون إلى مواجهة قوم
(٢) المراغي.