أحمد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: أنها نزلت على النبيّ - ﷺ - مرجعه من الحديبية، وأصحابه يخالطون الحزن والكآبة، وقد حيل بينهم وبين مساكنهم، ونحروا الهدي بالحديبية. ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)﴾ إلى ﴿صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾. قال: "لقد أنزلت عليّ آيتان، هما أحبّ إليّ من الدنيا جميعًا". قال: فلمّا تلاهما.. قال رجل: هنيئًا مريئًا يا رسول الله، قد بين لك ما يفعل بك، فما يفعل بنا؟ فأنزل الله عز وجل الآية التي بعدها: ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ...﴾ الآية.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿إِنَّا﴾ نحن ﴿فَتَحْنَا لَكَ﴾ يا محمد ﴿فَتْحًا مُبِينًا﴾؛ أي: فتحًا ظاهرًا واضحًا، لا يختلج فيه شكّ بذلك الصلح الذي تمَّ على يديك في الحديبية، إذ لم يمض إلا القليل من الزمان، حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا، وكان هو السُّلَّم الذي فيه رقيت إلى فتح مكة، وتسابق العرب إلى الدخول في الدين زرافات ووحدانًا.
اختلف في تعيين هذا الفتح (١)، فقال أكثر العلماء: هو صلح الحديبية، والصلح قد يسمّى فتحًا، قال الفرّاء: والفتح قد يكون صلحًا، ومعنى الفتح في اللغة: فتح المنغلق، والصلح الذي كان مع المشركين بالحديبية كان مسدودًا متعذّرًا، حتى فتحه الله، قال الزهري: لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أنّ المشركين اختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم، فتمكّن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر بهم سواد الإسلام، وقال قوم: إنّه فتح مكة، وقال آخرون: إنّه فتح خيبر، والأول: أرجح، ويؤيّده ما ذكرناه قبل هذا، من أنّ السورة أنزلت في شأن الحديبية، وقيل: هو جميع ما فتح الله لرسوله من الفتوح، وقيل: هو ما فتح له من النبوّة والدعوة إلى الإسلام، وقيل: فتح الروم، وقيل: المراد بالفتح في هذه الآية: الحكم والقضاء، كما في قوله: