ثم فتح لهم باب الرحمة بعد الإنذار السابق لعلهم يتوبون، ويثوبون إلى الحق، فقال: ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿الغَفُورُ﴾ لمن تاب وآمن وصدّق بالقرآن، وعمل بما فيه ﴿الرَّحِيمُ﴾ له بقبول توبته؛ أي: ومع كل ما صدر منكم من تلك المطاعن الشنعاء، إن أنتم تبتم وأنبتم إلى ربكم، وصحّ عزمكم على الرجوع عما أنتم عليه تاب عليكم، وعفا عنكم، وغفر لكم ورحمكم.
٩ - وبعد أن حكى عنهم طعنهم في القرآن.. أمر رسوله أن يرد عليهم مقترحاتهم العجيبة، وهي طلبهم من الرسول - ﷺ - أن يأتيهم بمعجزات بحسب ما يريدون ويشتهون، وكلها تدور حول الإخبار بشؤون الغيب، فقال: ﴿قُل﴾ لهم يا محمد: ﴿مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾؛ أي: ما كنت رجلًا غير مسبوق بمثله من الرسل، والبدع (١) بالكسر: البديع، وهو من الأشياء ما لم ير مثله، كانوا يقترحون عليه - ﷺ - آيات عجيبة، ويسألونه عن المغيبات عنادًا ومكابرةً، فأمر عليه السلام بأن يقول لهم: ما كنت بدعًا من الرسل؛ أي: لست بأول مرسل أرسل إلى البشر، فإنه تعالى قد بعث قبلي كثيرًا من الرسل، وكلهم قد اتفقوا على دعوة عباد الله إلى توحيده وطاعته، ولست داعيًا إلى غير ما يدعون إليه، بل أدعو إلى الله بالإخلاص في التوحيد، والصدق في العبودية، وبعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ولست قادرًا على ما لم يقدروا عليه، حتى آتيكم بكل ما تقترحونه، وأخبركم بكل ما تسألون عنه من الغيوب، فإن من قبلي من الرسل ما كانوا يأتون إلا بما آتاهم الله تعالى من الآيات، ولا يخبرون قومهم إلا بما أوحي إليهم، فكيف تنكرون منّي أن دعوتكم إلى ما دعا إليه من قبلي من الأنبياء؟ وكيف تقترحون عليّ ما لم يؤته الله إيّاي؟.
وقرأ عكرمة وأبو حيوة وابن أبي عبلة (٢): ﴿بِدَعًا﴾: بكسر الباء وفتح الدال جمع بدعة، وهو على حذف مضاف؛ أي: ذا بدع، وقرأ مجاهد: ﴿بَدِعًا﴾ بفتح الباء، وكسر الدال كحذر على الوصف، وقرأ الجمهور: بكسر الباء وسكون الدال.

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon