وكان قد أتى رسول الله - ﷺ - أنَّ الذي بلغه من أمر عثمان كذب، فتم الصلح، ومشى بعضهم إلى بعض على أن يحج رسول الله - ﷺ - في العام القابل، ويدخل مكة.
﴿فَمَنْ نَكَثَ﴾؛ أي: فمن نقض العهد الذي عقده مع النبيّ - ﷺ -، وبيعته معه، وأزال إبرامه وإحكامه ﴿فَإِنَّمَا يَنْكُثُ﴾ وينقض إدخالًا للضرر ﴿عَلَى نَفْسِهِ﴾؛ أي: فإنما يعود ضرر نكثه على نفسه، ولا يضر بنقضه إلا نفسه؛ لأنّ الناكث هو لا غير؛ لأنّه فوت على نفسه الإحسان الجزيل، على العمل القليل، فقد خسر. ﴿وَمَنْ أَوْفَى﴾؛ أي: ومن وفي ﴿بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ﴾ بضم الهاء؛ فإنه (١) أبقى الضم بعد حذف الواو، إذ أصله: عليه والله توصلًا بذلك إلى تفخيم لام الجلالة؛ أي: ومن أوفى بعهده مع الله، وثبت عليه، وأتمَّه ﴿فَسَيُؤْتِيهِ﴾ الله سبحانه وتعالى في الآخرة ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ وثوابًا جزيلًا: هو الجنة وما فيها من رضوان الله العظيم، والنظر إلى وجهه الكريم، وسيدخله جنات يجد فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ويحتمل أن يراد بنكث العهد: ما يتناول عدم مباشرته ابتداءً، ونقضه بعد انعقاده؛ لما روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال: بايعنا رسول الله - ﷺ - بيعة الرضوان تحت الشجرة على الموت، وعلى أن لا نفرّ، فما نكث أحد منّا البيعة إلا جُدَّ بن قيس، وكان منافقًا اختبأ تحت إبط بعيره، ولم يصر مع القوم؛ أي: إلى المبايعة حين دعوا إليها.
وقرأ زبد بن عليّ (٢): ﴿يَنْكِثْ﴾ بكسر الكاف، وقرىء: ﴿بما عَهِدَ﴾ ثلاثيًا، وقرأ الجمهور: ﴿عليه﴾ بكسر الهاء والترقيق لوقوعها بعد ياءٍ ساكنةٍ، كما هو الغالب، وقرأ حفص والزهري: بضمها والتفخيم على الأصل في بناء هاء الضمير على الضمّ؛ لأنّها هاء هو، وهي مضمومة، فاستصحب ذلك، كما في له وضربه، وقرأ الجمهور: ﴿فَسَيُؤْتِيهِ﴾ بالياء التحتية، وقرأ نافع وابن كثير، وابن عامر

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon