الظنّ: إنما هو الظنّ الأول، والتكرير لتشديد التوبيخ، والتسجيل عليه بالسوء، وإلا فهو من عطف الشيء على نفسه، أو ما يعمّه وغيره من الظنون الفاسدة التي من جملتها: الظنّ بعدم صحة رسالته - ﷺ -، فإن الجازم بصحتها لا يحوم حول فكره ما ذكر من الاستئصال، فبهذا التعميم لا يلزم التكرار. ﴿وَكُنْتُمْ﴾ بذلك الظن ﴿قَوْمًا بُورًا﴾؛ أي: قومًا هالكين عند الله سبحانه، مستوجبين سخطه وعقابه، على أنه جمع بائر، من بار بمعنى هلك، كعائذ وعوذ، وهي من الإبل والخيل الحديثة النتاج، أو فاسدين في أنفسكم وقلوبكم، ونيّاتكم لا خير فيكم، فإنَّ البور: الفاسد في بعض اللغات، قال الجوهري: البور: الرجل الفاسد الهالك الذي لا خير فيه.
والمعنى (١): أي أن تخلفكم لم يكن لما أبديتم من الأسباب، بل إنكم اعتقدتم أنّ الرسول والمؤمنين سيقتلون، وتستأصل شأفتهم، فلا يرجعون إلى أهليهم أبدًا، وزيّن لكم الشيطان ذلك الظنَّ، حتى قعدتم عن صحبته، وظننتم أنّ الله لن ينصر محمدًا وصحبه المؤمنين على أعدائهم، بل سيغلبون، ويقتلون، وبلغ الأمر بكم أن قلتم: إنّ محمدًا وأصحابه أكلة رأس، قليلوا العدد، فأين يذهبون؟ وقد صرتم بما قلتم قومًا هلكى، لا تصلحون لشيء من الخير، مستوجبين سخط الله وشديد عذابه.
١٣ - ثم أخبر سبحانه عما أعده للكافرين به، فقال: ﴿وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ هذا كلام مستأنف من جهته تعالى، غير داخل تحت ما أمر الله به رسوله - ﷺ - أن يقوله، مقرر لبوارهم، ومبين لكيفيته. و ﴿مَنْ﴾: شرطية أو موصولة، جوابها أو خبرها: محذوف، دلَّ عليه قوله: ﴿فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾؛ أي: ومن لم يصدق بما أخبر الله به، ويقر بصدق ما جاء به رسوله من الحق من عنده، كهؤلاء المخلفين.. فهو كافر مستوجب لسخط الله وعذابه، لأنّا أعتدنا وهيأنا للكافرين نارًا ملتهبة متقدة عليه يوم القيامة جزاء كفره، وإنما (٢) وضع الكافرين موضع
(٢) روح البيان.