بقول الله سبحانه كما تزعمون. والحسد: تمنّي زوال النعمة عمّن يستحق لها، وربّما يكون من ذلك سعي في إزالتها.
ثم رد الله سبحانه عليهم اتهام رسوله وصحبه بالحسد، بقوله: ﴿بَلْ كَانُوا﴾؛ أي: أولئك المخلفون ﴿لَا يَفْقَهُونَ﴾؛ أي: لا يفهمون ﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾؛ أي: إلا فهمًا قليلًا، وهو فطنتهم لأمور الدنيا، وهو وصف لهم بالجهل المفرط وسوء الفهم في أمور الدين، وعن علي رضي الله عنه: "أقل الناس قيمةً أقلهم علمًا".
ومعنى الآية: ﴿قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا﴾؛ أي: (١) لا تأذن لهم في الخروج معك، معاقبة لهم من جنس ذنبهم، فإنَّ امتناعهم عن الخروج إلى الحديبية ما حصل إلا لأنّهم كانوا يتوقعون المغرم: وهو جلاد العدو، ومصاولته، ولا يتوقعون المغنم، فلمّا انعكست الآية في خيبر.. طلبوا ذلك، فعاقبهم الله بطردهم من المغانم، ثمّ أكد هذا المنع بقوله: ﴿كَذَلِكُمْ قَالَ الله مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: مثل هذا القول الصادر منّي قال الله سبحانه من قبل مرجعنا من الحديبية إليكم؛ أي: حكم الله بأن لا تتبعونا، وبأنَّ غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية معنا، ولستم ممن شهدها، فليس لكم أن تتبعونا؛ لأنّ غنيمتها لغيركم، ثم أخبر بأنهم سيردُّون مقالك السابق: ﴿كَذَلِكُمْ قَالَ الله مِنْ قَبْلُ﴾. فقال: فسيقولون: إنّ الله ما قال ذلك من قبل، بل أنتم تحسدوننا أن نصيب معكم مغنمًا، ومن ثم منعتمونا، فرد الله عليهم اتهام الرسول وصحبه بالحسد، فقال: ﴿بَلْ كَانُوا﴾ إلخ؛ أي: ما الأمر كما يقول هؤلاء المنافقون من الأعراب، من أنكم تمنعونهم عن اتباعكم حسدًا منكم لهم على أن يصيبوا معكم من العدو مغنمًا، بل إنما كان؛ لأنّهم لا يفقهون من أمر الدين إلا قليلًا، ولو فقهوا.. ما قالوا ذلك لرسوله وللمؤمنين بعد أن أخبرهم بأنّ الله منعهم غنائم خيبر، وفي هذا إشارة إلى أن ردهم حكم الله، وإثبات الحسد لرسوله وللمؤمنين ناشىء من الجهل، وقلة التدبر، فإن حب الدنيا ليس من شيمة

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon