الجزية، بل يقاتلون حتى يسلموا، وهذا عند الشافعي، وأما عند أبي حنيفة: فمشركوا العجم تقبل منهم الجزية، كما تقبل من أهل الكتاب والمجوس، والذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف إنما هم مشركوا العرب والمرتدون فقط عنده.
واختلف العلماء في تعيين هؤلاء القوم، فقال الزهريّ ومقاتل وجماعة: المراد بالقوم أولي العباس شديد: بنو حنيفة، أصحاب مسيلمة الكذّاب، وقال قتادة: هم هوازن وغطفان، وقال ابن عباس، ومجاهد: هم أهل فارس، وقال الحسن: هم فارس والروم، قال ابن جرير: إنه لم يقم دليل من نقل، ولا من عقل على تعيين هؤلاء القوم، فلندع الأمر على إجماله دون حاجة إلى التعيين. اهـ.
أي: يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة، أو الإسلام، لا ثالث لهما.
وقرأ الجمهور (١): ﴿أَوْ يُسْلِمُونَ﴾ مرفوعًا، وقرأ أبيّ وزيد بن عليّ: بحذف النون منصوبًا بإضمار أن بعد ﴿أَوْ﴾ العاطفة لمصدر متصيد، على مصدر متوهّم؛ أي: يكون قتال أو إسلام، والرفع على العطف على: ﴿تُقَاتِلُونَهُمْ﴾ أو على القطع؛ أي: أو هم يسلمون دون قتال.
ثمّ وعدهم إذا أجابوا بقوله: ﴿فَإِنْ تُطِيعُوا﴾؛ أي: فإن تستجيبوا وتنفروا أيّها المخلّفون للجهاد، وتؤدُّوا ما طلب منكم أداؤه.. ﴿يُؤْتِكُمُ الله﴾؛ أي: يعطكم ربّكم ﴿أَجْرًا حَسَنًا﴾ وثوابًا جزيلًا، فتنالوا المغانم في الدنيا، وتدخلوا الجنة في الآخرة، كما وعد من نكص على عقبه بقوله: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا﴾؛ أي: تعرضوا عن الدعوة، وتعصوا ربكم فتدبروا عن طاعته، وتخالفوا أمره، فتتركوا قتال أولي النجدة والبأس الشديد إذا دعيتم إلى قتالهم ﴿كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ في الحديبية؛ أي: كما عصيتموه في أمره إياكم بالمسير مع رسوله - ﷺ - إلى مكة ﴿يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾؛ أي: عذابًا شديدًا بالمذلّة في الدنيا بالقتل والأسر والقهر والنار في

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon