وقرأ الجمهور (١): ﴿مَا يُفْعَلُ﴾ بضم الياء مبنيًا للمفعول، وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة: بفتحها مبنيًا للفاعل.
وخلاصة المعنى: أي ولا أعلم ما يفعل بي في الدنيا، أأخرج من بلدي كما أخرجت أنبياء من قبلي؟ أم أقتل كما قتل منهم من قتل؟ ولا ما يفعل بكم أيها المكذبون، أترمون بحجارة من السماء؟ أم تخسف بكم الأرض؟ كل هذا علمه عند ربّي جلّ وعلا.
وفي "صحيح البخاري" وغيره من حديث أمّ العلاء أنها قالت: لما مات عثمان بن مظعون - رضي الله عنه -: قلت: رحمة الله عليك يا أبا السائب، لقد أكرمك الله تعالى، فقال رسول الله - ﷺ -: "وما يدريك أنّ الله أكرمه، أما هو فقد جاءه اليقين من ربّه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم" قالت أم العلاء: فوالله ما أزكّي بعده أحدًا، وفي رواية الطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس، أنه لما مات.. قالت امرأته أو امرأة: هنيئًا لك ابن مظعون الجنة، فنظر إليها رسول الله - ﷺ - نظر مغضب، وقال: "وما يدريك، والله إني لرسول الله، وما أدري ما يفعل بي" فقالت: يا رسول الله صاحبك وفارسك وأنت أعلم، فقال: "أرجو له رحمة ربه تعالى، وأخاف عليه ذنبه".
ومن هذا يعلم أنّ ما ينسب إلى بعض الأدعياء من العلم بشؤون الغيب فهو فرية على الله ورسوله، وكفى بما سلف ردًّا عليهم.
ثم أكد ما سلف وقرّره بقوله: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾؛ أي: ما أتبع إلا القرآن، ولا أبتدع شيئًا من عندي؛ أي: ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إليّ، على معنى قصر أفعاله - ﷺ - على اتباع الوحي، لا قصر اتباعه على الوحي، كما هو المتسارع إلى الأفهام، وهو جواب عن اقتراحهم الإخبار عما لم يوح إليه من الغيوب. وقيل: عن استعجال المسلمين أن يتخلصوا من أذية المشركين، والأول هو الأوفق لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ﴾ أنذركم عقاب الله، وأخوفكم عذابه

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon