يقول الفقير: لا شكّ أنّ وادي الحديبية واقع في الجهة السفلي من مكة؛ لأنّه في جانب جدَّة المحروسة، فيكون المراد بالبطن: تلك الجهة، لا داخل مكة.
والمعنى - والله أعلم -: أنّ الله هو الذي كفّ أيديهم عنكم، وأيديكم عنهم في الحديبية التي هي الجهة السفلى من مكة، من بعد أن أقدركم عليهم، بحيث لو قاتلتموهم.. غلبتم عليهم بإذنه تعالى على ما كان في علمه، كما قال: ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ﴾ إلخ؛ أي: إنّ الله (١) سبحانه هو الذي كفّ أيدي المشركين الذين كانوا خرجوا على عسكر رسول الله - ﷺ - بالحديبية، يلتمسون غرتهم ليصيبوا منهم، فبعث رسول الله - ﷺ - سريةً، فأتي بهم أسرى، ثم خلى سبيلهم، ولم يقتلهم منةً منه وفضلًا.
روى أحمد وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والنسائي في آخرين عن أنس قال: لمّا كان يوم الحديبية.. هبط على رسول الله - ﷺ - وأصحابه، ثمانون رجلًا من أهل مكة في السلاح من جبل التنعيم، التنعيم: موضع بين مكة وسرف، فدعا عليهم، فأخذوا، فعفا عنهم، فنزلت هذه الآية: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ...﴾ إلخ.
وروى أحمد عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنهما قال: كنّا مع رسول الله - ﷺ - في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن، وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله - ﷺ -، وكان عليّ بن أبي طالب، وسهيل بن عمرو بين يديه، فقال رسول الله - ﷺ - لعليّ رضي الله عنه: "اكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ": فأخذ سهيل بيده، وقال: ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيّتنا ما نعرف قال: "اكتب باسمك اللهم" وكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة، فأمسك سهيل بن عمرو بيده، وقال لقد ظلمناك إن كنت رسوله، اكتب في قضيّتنا ما نعرف، فقال: "اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله"،