هنا ما ربّما ترتب على خبره من النزاع بن فئتين، وقد يؤول الأمر إلى الاقتتال، فطلب من المؤمنين أن يزيلوا ما نتج من كلامه، وأن يصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى.. فقاتلوا التي تبغي حتى ترجع إلى الصلح بدفعها عن الظلم مباشرةً إن أمكن، أو باستعداء الحاكم عليها، وإن كان الباغي هو الحاكم.. فالواجب على المسلمين دفعه بالنصيحة فما فوقها، بشرط أن لا تثير فتنة أشد من الأولى، ثمّ تيمم الإرشاد، وأبان أنَّ الصلح كما يلزم بين الفئتين يجب بين الأخوين، ثم أمرهم بتقوى الله، ووجوب اتباع حكمه، وعدم الإهمال فيه رجاء أن يرحمهم إذا هم أطاعوه ولم يخالفوا أمره.
قوله تعالى: ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ...﴾ مناسبة هذه
الآية لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمّا ذكر ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن مع الله تعالى، ومع رسوله - ﷺ -، ومع من يخالفهما ويعصيهما، وهو الفاسق.. بيّن ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن مع المؤمن، فذكر أنه لا ينبغي أن يسخر منه، ولا أن يعيّبه بالهمز واللمز، ولا أن يلقبه باللقب الذي يتأذى منه، فبئس العمل هذا، ومن لم يتب بعد ارتكابه.. فقد أساء إلى نفسه، وارتكب جرمًا كبيرًا.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ...﴾ الآية، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه أدّب عباده المؤمنين بآداب، إن تمسّكوا بها.. دامت المودّة والوئام بينهم، منها: ما تقدم قبل هذا، ومنها: ما ذكره هنا من الأمور العظام، التي تزيد توثيق رباط المجتمع الإِسلامي قوَّةً، وهي:
١ - البعد عن سوء الظن بالناس، وتخوينهم في كل ما يقولون ويفعلون؛ لأن بعض ذلك قد يكون إثمًا محضًا، فليجتنب كثير منه، وقد روي عن عمر رضي الله عنه: أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا.
٢ - عدم البحث عن عورات الناس ومعايبهم.
٣ - عدم ذكر بعضهم بعضا بما يكرهون في غيبتهم، وقد مثّل الشارع المغتاب بآكل لحم الميتة استفظاعًا له، قال قتادة: كما تكره إن وجدت جيفة