المشبَّهة بما يعبر به عن المشبه بها، كما سيأتي في مبحث البلاغة.
وقرأ الجمهور (١): ﴿لَا تُقَدِّمُوا﴾ بضم التاء وفتح القاف وكسر الدال المشددة، من قدّم المضاعف، فاحتمل أن يكون متعدّيًا، وحذف مفعوله؛ ليتناول كل ما يقع في النفس مما تقدم: كالصوم والأضحية، أو ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل، كقولهم: هو يعطي ويمنع، فلم يقصد لشيء معين، بل النهي متعلق بنفس الفعل دون تعرّض لمفعول معيّن، واحتمل أن يكون لازمًا بمعنى: تقدم، نحو: وحسنة بمعنى: توجَّه، ويكون المحذوف مما يوصل إليه بحرف؛ أي: لا تتقدموا في شيء ما من الأشياء، ويعضد هذا الوجه قراءة ابن عباس وأبي حيوة والضحاك ويعقوب، وابن مقسم: ﴿لا تقدموا﴾ بفتح التاء والقاف والدال على اللزوم، وحذفت التاء تخفيفًا؛ إذ أصله: لا تتقدموا. وقرأ بعض المكيين: ﴿تقدّموا﴾ بشدّ التاء، أدغم تاء المضارعة في التاء بعدها: كقراءة البزي، وقرىء: ﴿لا تقدموا﴾ مضارع قدم بكسر الدال، من القدوم؛ أي: لا تقدموا إلى أمر من أمور الدين قبل قدومها، ولا تعجلوا عليها، وقرىء: ﴿لا تقدموا﴾ بضم التاء وكسر الدال، من أقدم الرباعي؛ أي: لا تقدموا على شيء، وقال مجاهد: لا تفتئتوا على الله شيئًا حتى يقصه الله على لسان رسوله - ﷺ -، وفي هذا النهي توطئة لما يأتي بعد من نهيهم عن رفع أصواتهم.
فائدة: ذكر في هذه السورة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ خمس مرات، والمخاطبون فيها المؤمنون، والمخاطب به أمر أو نهي، وذكر فيها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ مرةً، والمخاطبون فيها يعمّ المؤمنين والكافرين، كما أنّ المخاطب به وهو قوله: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ يعمهما. فناسب فيها ذكر الناس. انتهى. "فتح الرحمن".
ولمّا نهى من التقدّم.. أمر بالتقوى؛ لأنّ من التقوى اجتناب المنهي عنه، فقال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾؛ أي: خافوا الله، وراقبوه في كل ما تأتون وما تذرون من

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon