من الأمور، إذ فيه اختلال أمر الرياسة، وانقلاب الرئيس مرؤسًا، لا من إطاعته في بعض ما يرونه نادرًا، بل فيها استمالتهم بلا معرةٍ؛ يعني: أن امتناع عنتكم بسبب امتناع استمراره على إطاعتكم، فإنّ المضارع يفيد الاستمرار، ودخول ﴿لو﴾ عليه، يفيد أمتناع الاستمرار.
والمعنى (١): أي واعلموا أيّها المؤمنون، أن بين أظهركم رسول الله، فعظّموه ووقّروه، وتأدّبوا معه، وانقادوا لأمره، فإنه أعلم بمصالحكم، وأشفق عليكم منكم، كما قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾، ثم بين أن رأيه أنفع لهم، وأجدر بالرعاية، فقال: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ﴾ إلخ؛ أي: لو سارع إلى ما أردتم قبل وضوح الأمر، وأجاب ما أشرتم به عليه من الآراء.. لوقعتم في الجهد والإثم، ولكنّه لا يطيعكم في غالب ما تريدون قبل وضوح وجهه له، ولا يسارع إلى العمل بما يبلغه قبل النظر فيه، عن أبي سعيد الخدري: أنّه قرأ هذه الآية، وقال: هذا نبيُّكم يوحى إليه، وخيار أئمتكم، لو أطاعهم في كثير من الأمر.. لعنتوا، فكيف بكم اليوم؟! أخرجه الترمذي.
ثمّ استدرك على ما سلف لبيان براءة بعضهم من أوصاف الأولين، فقال: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ﴾؛ أي: جعل الإيمان أحبّ الأشياء إليكم، أو جعله محبوبًا لديكم، فلا يقع منكم إلا ما يوافقه، ويقتضيه من الأمور الصالحة، وترك التسرّع في الأخبار، وعدم التثبت فيها.
وقيل: هذا تجريد للخطاب (٢) وتوجيه له إلى بعضهم بطريق الاستدراك، بيانًا لبراءتهم من أوصاف الأولين، وإحمادًا لأفعالهم، وهم الكاملون الذين لا يعتمدون على كل ما سمعوه من الأخبار؛ أي: ولكن جمعًا منكم براء مما أنتم عليه من تصديق الكاذب، وتزيين الإيقاع بالبريء، وإرادة أن يتبع الحق أهواءهم؛ لأنّ الله تعالى جعل الإيمان أحبَّ الأشياء إليهم، فلا يقع منهم إلا ما يوافقه، ويقتضيه من الأمور الصالحة، وترك التسرع في الأخبار.
(٢) روح البيان.