﴿أُولَئِكَ﴾ المستثنون بقوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ﴾ إلخ. ﴿هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾؛ أي: السالكون إلى الطريق السويّ الموصل إلى الحق، والرشد: الاستقامة على طريق الحق، مع تصلبٍ من الرشادة: وهي الصخرة، وفي الآية (١) عدول وتلوين، حيث ذكر أولها على وجه المخاطبة، وآخرها على المغايبة، حيث قيل: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ ليعلم أنّ من كان حاله هكذا، فقد دخل في هذا المدح، كما قاله أبو الليث.
٨ - وقوله: ﴿فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً﴾؛ أي: تفضلًا منه تعالى، وإنعامًا منه تعليل لـ ﴿حَبَّبَ﴾ ﴿وَكَرَّهَ﴾ وما بينهما اعتراض.
والمعنى: أنه تعالى حبّب إليكم ما حبّب، وكرّه إليكم ما كرّه؛ لأجل فضله وإنعامه، لا للراشدين، فإنّ الفضل فعل الله، والرشد وإن كان مسبّبًا عن فعله، وهو التحبيب والتكريه مسند إلى ضمير ﴿هُمُ﴾؛ يعني: أنّ المراد بالفاعل: من قام به الفعل، وأسند هو إليه، لا من أوجده، ومن المعلوم: أنّ الرشد قائم بالقوم، والفضل والإنعام قائمان به تعالى، فلا اتحاد في الفاعل، وقيل: علّة لمحذوف؛ أي: جعلكم راشدين لأجل فضله وإنعامه، وقيل: النصب بتقدير فعل؛ أي: تبتغون فضلًا ونعمةً.
والخلاصة (٢): أنّ رسول الله بين أظهركم، وهو أعلم بمصالحكم، لو أطعاكم في جميع ما تختارونه.. لأدّى ذلك إلى عنتكم ووقوعكم في مهاوي الردى، ولكنّ بعضًا منكم حبّب إليهم الإيمان، وزيّنه في قلوبهم، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وأولئك هم الذين أصابوا الحق، وسلكوا سبيل الرشاد.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلِيمٌ﴾ بمن يستحق الهداية، ومن يستحق الغواية ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبير شؤون خلقه، وصرفهم فيما شاء من قضائه، فيفعل كل ما يفعل بموجب الحكمة.
(٢) المراغي.