مرتفعة ولغطٌ، فقال عمر: هذا بيت ربيعة بن أميّة بن خلف، وهم الآن شرب، فما ترى؟ قلت: أرى أنَّا قد أتينا ما نهى الله عنه، قال تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ وقد تجسسنا، فانصرف عمر، وتركهم.
وقال أبو قلابة: حُدِّث عمر بن الخطاب: أنَّ أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته، فانطلق عمر حتى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلا رجل، فقال أبو محجن: إنَّ هذا لا يحل لك، قد نهاك الله عن التجسس، فخرج عمر وتركه.
وقيل لابن مسعود: هل لك في فلان تقطر لحيته خمرًا؟ فقال: إنّا قد نهينا عن التجسس، فإن ظهر لنا شيء.. أخذنا به، وفي الحديث: "إنّ الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس.. أفسدهم".
﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾؛ أي (١): ولا يذكر بعضكم أيها المؤمنون بعضًا بما يكرهه في غيبته وخلفه، والمراد بالذكر: الذكر صريحًا، أو إشارةً، أو نحو ذلك مما يؤدّي مؤدَّى النطق لما في ذلك من أذى المغتاب، وإيغار الصدور، وتفريق شمل الجماعات، فهي النار تشتعل فلا تبقي ولا تذر، والمراد بما يكره: ما يكرهه في دينه أو دنياه، أو خلقه أو خلقه، أو ماله أو ولده أو زوجته، أو خادمه أو ملبسه، أو غير ذلك مما يتعلق به.
قال الحسن: الغيبة ثلاثة أوجه، كلها في كتاب الله تعالى: الغيبة والإفك، والبهتان، فأمّا الغيبة بالكسر، وفتح الغين غلط، كما سيأتي. فهي أن تقول في أخيك ما هو فيه، وأما الإفك: فأن تقول فيه ما بلغك عنه، وأمّا البهتان: فأن تقول فيه ما ليس فيه، وهو الذي يترك الديار بلاقع، كما في حديث أبي هريرة الثابت في "الصحيح": أنّ رسول الله - ﷺ - قال: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذكرك أخاك بما يكره". فقيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، فقال: "إن كان فيه ما تقول.. فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه.. فقد بهتّه".

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon