ويؤيد ما قاله قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿غَفُورٌ﴾ لما فرط من المطيعين ﴿رَحِيمٌ﴾ بالتفضل عليهم، وعبارة المراغي: ولمّا كان الإنسان كثير الهفوات مهما اجتهد.. ذكر أنه غفور رحيم؛ أي: إنه ستار للهفوات، غفّار لزلّات من تاب وأناب وأخلص لربّه، رحيم به أن يعذّبه بعد التوبة، بل يزيد في إكرامه، ويصفح عن آثامه، انتهى. وهذا فتح لباب التوبة.
وقرأ الجمور (١): ﴿لَا يَلِتْكُمْ﴾ من لاته يليته، كباعه يبيعه، وهي لغة الحجاز، وقرأ الحسن والأعرج وأبو عمرو: ﴿لا يألتكم﴾ بالهمز من ألته يألته، بالفتح في الماضي، وبالكسر في المضارع، وهي لغة غطفان وأسد، واختار أبو حاتم قراءة أبي عمرو؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾. وعليها قول الشاعر:
أَبْلِغْ بَنِىْ أَسَدٍ عَنِّيْ مُغلْغَلَةً | جَهْرَ الرِّسَالَةِ لَا أَلْتَا وَلَا كَذِبًا |
وَليْلَةٍ ذَاتِ نَدَى سَرَيْتُ | وَلَمْ يَلِتْنِيْ عَنْ سُرَاهَا لَيْتُ |
١٥ - ثم لما ذكر سبحانه أنَّ أولئك الذين قالوا: آمنّا لم يؤمنوا، ولا دخل الإيمان في قلوبهم، بيَّن المؤمنين المستحقين لإطلاق اسم الإيمان عليهم، فقال: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ حق الإيمان، هم ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ إيمانًا صحيحًا خالصًا، صادرًا عن مواطأة القلب واللسان. ﴿ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾؛ أي: لم يدخل قلوبهم شيء من الريب، ولا خالطهم شك من الشكوك، بل ثبتوا على حالة واحدة، ولم يقع في نفوسهم شك فيما آمنوا به، ولا اتهام لمن صدقوه، واعترفوا بأن الحق معه، و ﴿ثُمَّ﴾ للإشعار (٢) بأن اشتراط عدم الارتياب في اعتبار الإيمان ليس في حال إنشائه فقط، بل وفيما يستقبل، فهي كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾. ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ تعالى؛ أي: في طاعته،
(١) البحر المحيط والشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.