و ﴿فَوْقَهُمْ﴾: ظرف لـ ﴿يَنْظُرُوا﴾، أو حال من ﴿السَّمَاءِ﴾؛ أي: كيف غفلوا عن النظر إلى السماء فوقهم. ﴿كَيْفَ بَنَيْنَاهَا﴾؛ أي: كيف رفعناها، وجعلناها على هذه الصفة، مرفوعة كالخيمة بغير عمد تعتمد عليه. ﴿وَزَيَّنَّاهَا﴾ بما جعلنا فيها من الكواكب المرتبة على نظام بديع. ﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾؛ أي: فتوق وشقوق، وصدوع لملاستها وسلامتها من كل عيب وخلل، كما قال: ﴿هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾ وهذا (١) لا ينفي وجود الأبواب والمصاعد فيها، فإنها ليست من قبيل العيب والخلل، ولعل تأخير هذا لمراعاة الفواصل، والفروج: جمع فرج، وهو: الشق بين الشيثين كفرجة الحائط، كما سيأتي في مبحث المفردات.
والمعنى: أي (٢) أفلم ينظر هؤلاء المكذّبون بالبعث بعد الموت، المنكرون قدرتنا على إحيائهم بعد البلى إلى السماء فوقهم، كيف رفعناها بلا عمد، وزيّنّاها بالكواكب، وما لها من فتوق، فهي ملساء متلاصقة الطباق، وهذا هو الرأي الحديث في عالم السموات، إذ يقولون: إنّ هناك عالمًا لطيفًا أرقَّ من الهواء، وألطف من كل ما نراه، وهو مبدأ كل شيء، وأول كل شيء، وهو العالم المسمى بالأثير، وهذا العالم وإن لم يره الناس، فقد عرفوه من وصول أضواء الكواكب إلينا، فإنَّ من الكواكب ما لا يصل ضوؤه إلينا إلا فيما يزيد على ألف ألف سنة، ونور الشمس التي تبعد عنا مقدار سير القطار إليها، لو أمكن في نحو خمس وستين وثلاث مئة سنة، يصل إلينا في مدة ثمان دقائق وثماني عشرة ثانية، فانظر كيف يكون بعد تلك الكواكب التي تحتاج يسير النور إلى مليون سنةٍ ونصف مليون، ألا يدل هذا على أنّ ذلك الضوء محمول على شيء موجود، وهو الأثير، فلو أنَّ طبقة من الطبقات لم يكن فيها الأثير.. لانقطع سير النور إلى الأرض ولم نره، وهذا ما يشير إليه الكتاب بقوله: ﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ فلو كان هناك فروج تتخلل السموات.. لانقطع سير النور إلينا، وآراء الجهلة في كل أمة أن كل سماء منفصلة عن الأخرى، وبينهما فضاء كما يظن لأول وهلة فيما بيننا وبين السماء، فجاء الكتاب الكريم، وعكس هذه القضية، وقال: لا فروج في السماء؛ أي: لا

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon