وحيرة وشبهة وشك في خلق مستأنف، وهو بعث الأموات لما فيه من مخالفة العادة، إذ لم تجر العادة بالإعادة في هذه الدار، وهذا قياس فاسد، كما لا يخفى، وتنكير ﴿خَلْقٍ﴾؛ لتفخيم شأنه، والإشعار بخروجه عن حدود العادات، أو الإيذان بأنه حقيق بأن يبحث عنه، ويهتم بمعرفته، ولا يقعد على لبس.
وقرأ الجمهور: ﴿أَفَعَيِينَا﴾ (١) بياء مكسورة بعدها ياء ساكنة، ماضي عيي، بوزن رضي، وقرأ ابن أبي عبلة والوليد بن مسلم والقورصبيُّ عن أبي جعفر والسمار عن شيبة وأبو بحر عن نافع: بتشديد الياء من غير إشباع في الثانية، هكذا قال أبو القاسم الهذلي في كتاب "الكامل". وقال ابن خالويه في كتاب "شواذ القراءات" له: ﴿أفعَيِّنا﴾ بتشديد، قرأ ابن أبي علة، وفكرت في توجيه هذه القراءة، إذ لم يذكر أحد توجيهها، فخرجتها على لغة من أدغم الياء في الياء في الماضي، فقال: عيَّ في عيي، وحيَّ في حيي، فلما أدغم.. ألحقه ضمير المتكلم المعظم نفسه، ولم يفك الإدغام، فقال: عيّنا، وهي لغة لبعض بني بكر بن وائل، يقولون في رددت، وردنا: ردت وردّنا، فلا يفكون، وعلى هذه اللغة تكون الياء المشددة مفتوحة، فلو كان ضمير نصب.. لاجتمعت العرب على الإدغام، نحو: ردّنا زيد.
والمعنى: أي أفأعجزنا ابتداء الخلق حتى يشكّوا في الإعادة؛ أي: إنّ ابتداء الخلق لم يعجزنا، والإعادة أسهل من الابتداء، فلا حقّ لهم في تطرق الشبهة إليهم، والشك فيه، كما قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧)﴾. وقال: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)﴾. وجاء في الحديث القدسي، يقول الله تعالى: "يؤذيني ابن آدم، يقول: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته".