فدَعْهُ فَلاَ تَنْفَسْ عَلَيْهِ الَّذِي مَضَى | وَإِنْ جَرَّ أَسْبَابَ الْحَيَاةِ لَهُ الْعُمْرُ |
وقوله: ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾: معطوف (١) على قوله: ﴿أَنْ أَشْكُرَ﴾؛ أي: ألهمني ووفّقني للعمل الصالح في ترضاه منّي، والعمل الصالح المرضي: هو ما يكون سالمًا من شوائب عدم القبول. وفيه إشارةٌ إلى أنه لا يمكن للعبد أن يعمل عملًا يرضي به ربه إلا بتوفيقه وإرشاده ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾؛ أي: واجعل الصلاح ساريًا في ذريتي، متمكنًا من نفوسهم، راسخًا في قلوبهم؛ أي: اجعل ذرّيتي صالحين راسخين في الصلاح متمكنين منه. وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات. وأصل ﴿أصلح﴾: يتعدى بنفسه كما في قوله: ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾، وإنما عدي هنا بالحرف ﴿في﴾؛ لإفادة الرسوخ والسريان. قال سهلٌ: اجعلهم لي خلف صدق، ولك عبيدا حقًا. وقال محمد بن عليّ: لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلًا. وفيه إشارة إلى أنَّ صلاحية الآباء تورث صلاحية الأبناء ﴿إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ من ذنوبي التي فُرِّطت منى في أيامي الخوالي ﴿وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾؛ أي: من الخاضعين لك بالطاعة، المستسلمين لأمرك ونهيك، المنقادين لحكمك.
قال ابن كثير: وهذا فيه إرشادٌ لمن بلغ الأربعين أن يجدّد التوبة والإنابة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، ويعزم عليها. وقد روى أبو داود في "سننه" عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنّ رسول الله - ﷺ - كان يعلّمهم أن يقولوا في التشهد: "اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى
(١) التفسير المنير.