والثاني: الفسق والمعصية بترك المأمورات، وفعل المنهيات، وهو ذنب الجوارح، وقدّم الأول على الثاني؛ لأنّ ذنب القلب أعظم تأثيرًا من ذنب الجوارح، وهذا شأن الكفرة، فإنهم قد جمعوا بينهما، وهذه الآية محرضة على التقليل من الدنيا، وترك التنعم فيها، والأخذ بالتقشف، وما يجتزي به رمق الحياة.
ومعنى الآية: أي (١) واذكر يا محمد لقومك حال الذين كفروا حين يعذبون في النار، ويقال لهم على سبيل التوبيخ: إنّ كل ما قدّر لكم من اللذات والنعيم قد استوفيتموه في الدنيا ونلتموه، ولم يبق لكم منه شيء، ولكن بقيت لكم الإهانة والخزي جزاء استكباركم، وفسوقكم عن أمر ربكم، وخروجكم عن طاعته.
فصل في ذكر نبذة من الأحاديث المحرضة على التزهد في الدنيا
ولما وبّخ (٢) الله سبحانه الكافرين بالتمتع بالطيبات.. آثر النبي - ﷺ - وأصحابه والصالحون بعدهم اجتناب اللذات في الدنيا، رجاء ثواب الآخرة، فقد وردت أحاديث صحيحة دالة على ذلك:
فمنها: ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله - ﷺ -، فإذا هو متّكىء على رمال حصير قد أثّر في جنبه، فقلت: أستأنس يا رسول الله، قال: "نعم" فجلست فرفعت رأسي في البيت، فوالله ما رأيت فيه شيئًا يردّ البصر إلا أهبة ثلاثة، فقلت: ادع الله أن يوسع على أمّتك، فقد وسَّع على فارس والروم، ولا يعبدون الله، فاستوى جالسًا ثم قال: "أفيّ شكّ أنت يا ابن الخطاب، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا" فقلت: استغفر لي يا رسول الله. متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله - ﷺ -. متفق عليه.
(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.