أي (١): بينَّا لهم دلائل قدرتنا، وبديع حججنا ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾؛ أي: لكي يرجعوا عن غيِّهم الذي استمسكوا به لمحض التقليد، أو لشبهة عرضت لهم، فلم يرجعوا، فحل بهم سوء العذاب، ولم يجدوا لهم نصيرًا، ولا دافعًا لعذاب الله.
٢٨ - ثم أبان الله تعالى مدى الكرب والشدَّة بفقد الأعوان والنصراء لدفع عذاب الله، فقال: ﴿فَلَوْلَا﴾: تحضيضية؛ أي: فهلَّا نصر أولئك الأمم المكذّبة، حين أهلكهم الله تعالى الأصنام والأوثان ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ هم ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً﴾؛ أي: اتخذوها آلهة من دون الله، يتقربون بعبادتها إلى ربهم؛ أي: فهلَّا نصرهم أوثانهم وآلهتهم التي اتخذوا عبادتها قربانًا يتقرَّبون به إلى ربهم فيما
زعموا، حين جاءهم بأسه، فأنقذوهم من عذابه إن كانوا يشفعون عنده ﴿بَلْ ضَلُّوا﴾ وغابوا ﴿عَنْهُمْ﴾ ولم يفيدوهم شيئًا، و ﴿بَلْ﴾ للإضراب الانتقالي عن نفي النصرة لما هو أخص منه، إذ نفيها يصدق بحضورها عندهم بدون النصرة، فأفاد بالإضراب أنهم لم يحضروا بالكلية، فضلًا عن أن ينصروهم، والقربان: كل ما يتقرب به إلى الله تعالى من طاعة ونسيكة، والجمع: قرابين، كرهبان ورهابين، وأحد (٢) مفعولي ﴿اتَّخَذُوا﴾: ضمير محذوف راجع إلى الموصول، والثاني: ﴿آلِهَةً﴾ و ﴿قُرْبَانًا﴾: حال، والتقدير: فهلّا نصرهم وخلّصهم من العذاب الذين اتخذوهم آلهة، حال كونها متقرَّبًا بها إلى الله تعالى، حيث كانوا يقولون: ما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، وفيه تهكم بهم ﴿بَلْ ضَلُّوا﴾؛ أي: بل ضلت الآلهة وغابت عنهم؛ أي: عن عابديها عند حلول البأس بهم، وفيه تهكم آخر بهم، كأنّ عدم نصرتهم لغيبتهم أو ضاعوا عنهم: أي: ظهر ضياعهم عنهم بالكلية.
﴿وَذَلِكَ﴾؛ أي: ضياع (٣) آلهتهم عنهم، وامتناع نصرتهم ﴿إِفْكُهُمْ﴾؛ أي: أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها، ونتيجة شركهم، وثمرته ﴿وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾

(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon