وعبارة المراغي هنا: مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لمّا ذكر أنّ في الإنس من آمن، ومنه من كفر.. أعقب هذا ببيان أنّ الجنّ كذلك، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، وأنّ مؤمنهم معرّض للثواب، وكافرهم معرّض للعقاب، وأنّ الرسول - ﷺ - كما أرسل إلى الإنس أرسل إلى الجنّ.
واعلم (١): أنّ عالم الملائكة وعالم الجنّ لا يقوم عليهما دليل من العقل، فهما بمعزل عن ذلك، وإنّما دليلهما السمع وإخبار الأنبياء بذلك فقط، فعلينا أنّ نؤمن بما جاء به فحسب، ولا نزيد على ذلك شيئًا، ولا نتوسّع في بحثه وتأويله وتفصيله، فإنّ ذلك من عالم الغيب، لم نؤت من علمه كثيرًا ولا قليلًا، فعلينا أن نؤمن بأنّ اتصالًا قد تمّ بين النبيّ - ﷺ - وعالم الملائكة، وبه تلقى الوحي على أيديهم، وأنّه اتصل بعالم الجنّ، فعلمهم وبشرهم وأنذرهم، ولكنّا لا ندري كيف كان الاتصال؟ ولا كيف تلقَّوا عنه القرآن؟. ولعلّ تقدم العلوم في مستأنف الأيّام يلقي علينا ضوءًا من هذه المعرفة، أو لعل قراءة علم الروح والتوسع في دراسته بيَّن لنا بعض السرّ في ذلك، ففي هذه الدراسة معرفة شيء من أحوالنا في الحياة الأخرى بعد هذه الحياة، وسيأتي تفصيل لهذا القصص في سورة الجنّ.
قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه لمّا ذكر في أول السورة (٢) ما يدلّ على وجود الإله القادر الحكيم، وأبطل قول عبدة الأصنام، ثمّ ثنّى بإثبات النبوة، وذكر شبهاتهم في الطعن فيها، وأجاب عنها.. أردف ذلك بإثبات البعث، وأقام الدليل عليه، فذكر أنّ من خلق السموات والأرض على عظمهنّ، فهو قادر على أن يحيي الموتى، ثمّ أعقب هذا بما يجري مجرى العظة والنصيحة لرسوله - ﷺ - بالصبر على أذى قومه، كما صبر من قبله أولوا العزم من الرسل، وبعدم استعجال العذاب لهم، فإنّه نازل بهم لا محالة وإن تأخّر، وحين نزوله بهم سيستقصرون مدّة لبثهم في الدنيا، حتى يحسبونها ساعة من نهار لهول ما عاينوا.
ثم ختم السورة بأنّ في هذه العظات كفاية أيَّما كفايةٍ، وما يهلك إلا من
(٢) المراغي.