ولقد رأه مرتين على صورته التي خلقه الله عليها بأجنحته وأوصافه الملكية. مرة بغار حراء في بدء النبوة، وأخرى ليلة المعراج، حين عرج به إلى السماء، ورأى من عجائب صنع الله ما رأى مما استطاع أن يخبركم به، ومما لم يستطع ذلك. فكيف بكم تجادلونه فيما أخبركم به؟ وتقولون طورًا: إنه مجنون، وطورًا آخر: إنه كاهن، وطورًا ثالثًا: إنه شاعر، وما كل هذا بالذي ينطبق على أوصافه. وهو صاحبكم، وأنتم أعلم بحاله، فحق عليكم أن تسمعوا قوله، وأن تطيعوا أمره. فتفوزوا برضوان من ربه.
قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى (١) لما بين أن ما رآه محمد - ﷺ - من العجائب ليلة المعراج قال للمشركين: ماذا رأيتم في هذه الأصنام، وكيف تحصرون أنفسكم في العالم المادّيّ وأصنامه، وتقطعون على أنفسكم طريق التقدم والارتقاء، وإن النفس لا ترقى إلا بما استعدت له. فإذا وقفت النفوس عند هذه المادة، وتلك الأصنام لم يكن لها عروج إلى السماء. ولاسيما أن هذه الأصنام لا تشفع لهم عند ربهم، ولا تجديهم نفعًا.
قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١)...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن لله سبحانه لما أمر رسوله بالإعراض عن المشركين مع شدة ميله إلى إيمانهم، وتطلعه إلى هدايتهم، وتعلقه بصلاحهم وإرشادهم، وهم قومه وعشيرته، وأبان له أن هؤلاء قوم انصرفوا عن النظر إلى الحق، ووجهوا همهم إلى زخرف الدنيا، وأن منتهى علمهم التصرف في شؤونها فهي قبلتهم التي إليها يحجون، ومطمع أنظارهم الذي إليه يرنون. وذكر أنه هو العليم باستعدادهم، وأنهم قوم ضالون، لا يصل الحق إلى شغاف قلوبهم، ولا يلتفتون إليه بعيونهم.. ذكر هنا أنه لا يهملهم، بل سيجزيهم بسوء صنيعهم. وهو العليم بما في السموات والأرض، فلا يترك عباده هملًا، بل يجازيهم بعدله. فيثيب المحسن بالجنة، ويعاقب المسيء على سوء صنيعه بما هو أهله. ثم أردف ذلك ذكر أوصاف المحسنين، وأنهم هم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، ولا